أمي كانت أعلم باسمي منك. قال: شقيت أنت، وشقيت أمك. قال: الغيب يعلمه غيرك. قال: لأبدلنك بالدنيا نارًا تلظى قال: لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهًا. قال: فما قولك في محمد ﷺ؟ قال: نبي الرحمة، إمام الهدى قال: فما قولك في علي في الجنة هو أم في النار قال: لو دخلتها فرأيت أهلها، عرفت. قال: فما قولك في الخلفاء؟ قال: لست عليهم بوكيل قال: فأيهم أعجب إليك قال: أرضاهم لخالقي. قال: فأيهم أرضى للخالق؟ قال: علم ذلك عنده. قال: أبيت أن تصدقني. قال: إني لم أحب أن أكذبك. قال: فما بالك لم تضحك؟ قال: لم تستو القلوب.
قال: ثم أمر الحجاج باللؤلؤ والياقوت والزبرجد، فجمعه بين يدي سعيد، فقال: إن كنت جمعته لتفتدي به من فزع يوم القيامة فصالح، وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت، ولا خير في شيء جمع للدنيا إلَّا ما طاب وزكا. ثم دعا الحجاج بالعود والناي، فلما ضرب بالعود ونفخ في الناي، بكى، فقال الحجاج: ما يبكيك؟ هو اللهو. قال: بل هو الحزن، أما النفخ فذكرني يوم نفخ الصور، وأما العود فشجرة قطعت من غير حق، وأما الأوتار فأمعاء شاة يبعث بها معك يوم القيامة فقال الحجاج: ويلك يا سعيد! قال: الويل لمن زحزح عن الجنة، وأدخل النار. قال: اختر أي قتلة تريد أن أقتلك؟ قال: اختر لنفسك يا حجاج، فوالله ما تقتلني قتله، إلَّا قتلتك قتلة في الآخرة. قال: فتريد أن أعفوا عنك؟ قال: إن كان العفو، فمن الله، وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر. قال: اذهبوا به، فاقتلوه. فلما خرج من الباب، ضحك، فأخبر الحجاج بذلك، فأمر برده، فقال: ما أضحكك؟ قال: عجبت من جرأتك على الله، وحلمه عنك! فأمر بالنطع، فبسط، فقال: اقتلوه. فقال: ﴿إِنّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض﴾ [الأنعام: ٧٩]. قال: شدوا به لغير القبلة. قال: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١١٥]. قال: كبوه لوجهه قال: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ﴾ [طه: ٥٥]. قال: اذبحوه قال: إني أشهد وأحاج أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، خذها مني حتى تلقاني يوم القيامة. ثم دعا الله سعيد، وقال: اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي. فذبح على النطع.
وبلغنا: أن الحجاج عاش بعده خمس عشر ليلة، وقعت في بطنه الأكلة (١)، فدعا بالطبيب لينظر إليه فنظر إليه ثم دعا بلحم منتن، فعلقه في خيط، ثم أرسله في حلقه، فتركه ساعة ثم استخرجه وقد لزق به من الدم فعلم أنه ليس بناج.