لما خرج طلحة والزبير وعائشة للطلب بدم عثمان وقال طلحة لعلقمة بن وقاص الليثي: يا علقمة! لا تلمني، كنا أمس يدا واحدة على من سوانا، فأصبحنا اليوم جيلين من حديد، يزحف أحدنا إلى صاحبه، ولكنه كان مني شيء في أمر عثمان، مما لا أرى كفارته إلا سفك دمي، وطلبه دمي" أخرجه الحاكم "٣/ ٣٧٢".
فكيف عقب الذهبي -رحمه الله تعالى- على قول طلحة؟! لقد أجاب بإجابة عالم بصير يستشفي بها من وساوس الصدور فقال رحمه الله تعالى:
قلت: الذي كان منه في حق عثمان تمغفل وتأليب، فعله باجتهاد، ثم تغير عندما شاهد مصرع عثمان، فندم على ترك نصرته ﵄، وكان طلحة أول من بايع عليا، أرهقه قتله عثمان، وأحضروه حتى بايع".
ولما قتل مروان بن الحكم طلحة بن عبيد الله بسهم وقع في ركبته، عقب الذهبي ﵀"٣/ ٢٨" بقوله:
"قلت: قاتل طلحة في الوزر، بمنزلة قاتل علي".
ثم قال الذهبي في آخر ترجمة طلحة بن عبيد الله "٣/ ٣١":
"أعجب ما مر بي قول ابن الجوزي في كلام له على حديث قال: وقد خلف طلحة ثلاثمئة حمل من الذهب! ".
يقول محمد أيمن الشبراوي عفا الله عنه: تعجب الذهبي من قول ابن الجوزي إشارة منه إلى كذب هذا القول، ولكنه كان لطيف العبارة -رحمه الله تعالى- خاصة مع علماء الحديث الذي كان عظيم الإكبار لهم.
وثمة بصمات قوية تشير إلى براعته الفائقة في علم الحديث فقال ﵀ في "السير""٣/ ٥٤ - ٥٥" حين علق على حديث دخول عبد الرحمن بن عوف الجنة حبوا؛ قال: وهو حديث منكر، وقال: إسناده واه. ثم عرج على المتن بقوله "٣/ ٥٥": وبكل حال فلو تأخر عبد الرحمن عن رفاقه للحساب، ودخل الجنة حبوا على سبيل الاستعارة، وضرب المثل، فإن منزلته في الجنة ليست بدون منزلة علي والزبير، رضي الله عن الكل.
ثم عرج على مناقب عبد الرحمن بن عوف "٣/ ٥٥" فقال: "ومن مناقبه أن النبي ﷺ شهد له بالجنة، وأنه من أهل بدر الذين قيل فيهم: "اعملوا ما شئتم" ومن أهل هذه الآية