وجهز المنصور ولي عهده عيسى بن موسى لحرب محمد، وكتب إلى محمد يحثه على التوبة ويعده ويمنيه فأجابه من المهدي محمد بن عبد الله ﴿طسم، تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ [الشعراء: ١، ٢] وأنا أعرض عليك من الأمان مثل ما عرضت فإن الحق حقنا … إلى أن قال: فأي الأمانات تعطيني، أمان ابن هبيرة أم أمان عمك أم أمان أبي مسلم؟.
فأرسل إليه بكتاب مزعج، وأخذ جند محمد مكة، وجاءه منها عسكر، وسار ولي العهد في أربعة آلاف فارس، ونفذ إلى أهل المدينة يتألفهم فتفلل خلق، عن محمد وبادر آخرون إلى خدمة عيسى. فأشير على محمد: أن يفر إلى مصر، فلن يردك أحد عنها. فصاح جبير: أعوذ بالله أن نخرج من المدينة، ونبي الله ﷺ يقول "رأيتني في درع حصينة فأولتها المدينة".
ثم إن محمدًا استشار أن يخندق على نفسه فاختلفت الآراء ثم حفر خندق رسول الله ﷺ وحفر فيه بيده.
عن عثمان الزبيري قال: اجتمع مع محمد جمع لم أر أكثر منه، أني لأحسبنا كنا مائة ألف فخطب محمد، وقال: إن هذا قد قرب، وقد حللتكم من بيعتي. قال: فتسللوا حتى بقي في شرذمة، وهرب الناس بذراريهم في الجبال، فلم يتعرض عيسى لأذاهم، وراسل محمدًا يدعوه إلى الطاعة فقال: إياك أن يقتلك من يدعوك إلى الله فتكون شر قتيل، أو تقتله فيكون أعظم لوزرك.
فبعث إليه: أن أبيت فإنا نقاتلك على ما قاتل عليه جدك طلحة، والزبير على نكث البيعة ثم أحاط عيسى بالمدينة في أثناء رمضان، ودعا محمدًا إلى الطاعة ثلاثة أيام، ثم قرب من السور، فنادى بنفسه يا أهل المدينة إن الله قد حرم الدماء فهلموا إلى الأمان، وخلوا بيننا وبين هذا فشتموه فانصرف وفعل ذلك من الغد، وزحف في اليوم الثالث، وظهر وكرر بذل الأمان لمحمد فأبى وترجل فقال بعضهم: إني لأحسبه قتل بيده سبعين يومئذ.
وقال عبد الحميد بن جعفر: كنا مع محمد في عدة أصحاب بدر ثم تبارز جماعة وأقبل رجل من جند المنصور عند أحجار الزيت فطلب المبارزة فخرج إليه رجل عليه قباء أصفر فقتل الجندي ثم برز أخر فقتله فاعتوره أصحاب عيسى حتى أثبتوه بالسهام ودام القتال من بكرة إلى العصر وطم أصحاب عيسى الخندق، فجازت خيلهم.