قلت: الآن كما جزمت بأنها حكاية مختلقة فإن الإمام أبا حنيفة طلب الحديث وأكثر منه في سنة مئة وبعدها ولم يكن إذ ذاك يسمع الحديث الصبيان هذا اصطلاح وجد بعد ثلاث مئة سنة بل كان يطلبه كبار العلماء بل لم يكن للفقهاء علم بعد القرآن سواه ولا كانت قد دونت كتب الفقه أصلاً ثم قال: قلت أتعلم النحو فقلت إذا حفظت النحو والعربية ما يكون آخر أمري قالوا تقعد معلماً فأكثر رزقك ديناران إلى ثلاثة قلت وهذا لا عاقبة له قلت فإن نظرت في الشعر فلم يكن أحد أشعر مني قالوا تمدح هذا فيهب لك أو يخلع عليك وإن حرمك هجوته قلت لا حاجة فيه.
قلت: فإن نظرت في الكلام ما يكون أخر أمره قالوا لا يسلم من نظر في الكلام من مشنعات الكلام فيرمى بالزندقة فيقتل أو يسلم مذموما.
قلت: قاتل الله من وضع هذه الخرافة وهل كان في ذلك الوقت وجد علم الكلام.
قال قلت: فإن تعلمت الفقه قالوا تسأل وتفتي الناس وتطلب للقضاء وإن كنت شابا قلت: ليس في العلوم شيء أنفع من هذا فلزمت الفقه وتعلمته.
وبه إلى ابن كاس حدثني جعفر بن محمد بن خازم حدثنا الوليد بن حماد عن الحسن بن زياد عن زفر بن الهذيل سمعت أبا حنيفة يقول كنت أنظر في الكلام حتى بلغت فيه مبلغا يشار إلي فيه بالأصابع وكنا نجلس بالقرب من حلقة حماد بن أبي سليمان فجائتني امرأة يوماً فقالت لي رجل له امرأة أمة أراد أن يطلقها للسنة كم يطلقها فلم أدر ما أقول فأمرتها أن تسأل حمادا ثم ترجع تخبرني فسألته فقال يطلقها وهي طاهر من الحيض والجماع تطليقة ثم يتركها حتى تحيض حيضتين فإذا اغتسلت فقد حلت للآزواج فرجعت فأخبرتني فقلت: لا حاجة لي في الكلام وأخذت نعلي فجلست إلى حماد فكنت أسمع مسائله فأحفظ قوله ثم يعيدها من الغد فأحفظها ويخطئ أصحابه فقال لا يجلس في صدر الحلقة بحذائي غير أبي حنيفة فصحبته عشر سنين ثم نازعتني نفسي الطلب للرئاسة فأحببت إن أعتزله وأجلس في حلقة لنفسي فخرجت يوماً بالعشي وعزمي أن أفعل فلما رأيته لم تطب نفسي أن أعتزله فجاءه تلك الليلة نعي قرابة له قد مات بالبصرة وترك مالا وليس له وارث غيره فأمرني أن أجلس مكانه فما هو إلا إن خرج حتى وردت علي مسائل لم أسمعها منه فكنت أجيب وأكتب جوابي فغاب شهرين ثم قدم فعرضت عليه المسائل وكانت نحوا من ستين مسألة فوافقني في أربعين وخالفني في عشرين فآليت على نفسي إلا أفارقه حتى يموت.