وقال البغوي: حدثنا هارون بن سفيان قال: قال أبو نعيم: حججت عام حج أبو جعفر، ومعه ابن أبي ذئب، ومالك بن أنس، فدعا ابن أبي ذئب، فأقعده معه على دار الندوة، فقال له: ما تقول في الحسن بن زيد بن حسن -يعني: أمير المدينة-? فقال: إنه ليتحرى العدل. فقال له: ما تقول في -مرتين-? فقال: ورب هذه البنية، إنك لجائر. قال: فأخذ الربيع الحاجب بلحيته فقال له: أبو جعفر كف يا ابن اللخناء (١) ثم أمر لابن أبي ذئب بثلاث مائة دينار.
قال محمد بن المسيب الأرغياني: سمعت يونس بن عبد الأعلى، سمعت الشافعي يقول: ما فاتني أحد فأسفت عليه، ما أسفت على الليث بن سعد، وابن أبي ذئب.
قلت: أما فوات الليث، فنعم وأما ابن أبي ذئب، فما فرط في الارتحال إليه، لأنه مات وللشافعي تسعة أعوام.
علي بن المديني: سمعت يحيى بن سعيد يقول: كان ابن أبي ذئب عسرًا، أعسر أهل الدنيا، إن كان معك الكتاب، قال: اقرأه، وإن لم يكن معك كتاب، فإنما هو حفظ. فقلت: ليحيى كيف كنت تصنع فيه? قال: كنت أتحفظها، وأكتبها.
وقال أبو إسحاق الجوزجاني: قلت لأحمد بن حنبل: فابن أبي ذئب، سماعه من الزهري أعرض هو? قال: لا يبالي كيف كان.
قلت: كان يلينه في الزهري بهذه المقالة فإنه ليس بالمجود في الزهري.
قال أحمد بن علي الأبار: سألت مصعبا عن ابن أبي ذئب فقال: معاذ الله أن يكون قدريًا إنما كان في زمن المهدي قد أخذوا أهل القدر وضربوهم ونفوهم فجاء منهم قوم إلى ابن أبي ذئب فجلسوا إليه واعتصموا به من الضرب فقيل: هو قدري لأجل ذلك. لقد حدثني من أثق به أنه ما تكلم فيه قط.
وجاء عن أحمد بن حنبل: أنه سئل عنه، فوثقه، ولم يرضه في الزهري. وقال الفضل بن زياد: سئل أحمد بن حنبل أيما أعجب إليك ابن عجلان أو أبن أبي ذئب? فقال: ما فيهما إلَّا ثقة.
قدم ابن أبي ذئب بغداد، فحملوا عنه العلم، وأجازه المهدي بذهب جيد، ثم رد إلى بلاده، فأدركه الأجل بالكوفة غريبًا، وذاك في سنة تسع وخمسين ومائة.
(١) اللخن: هو نتن الريح، وقبح ريح الفرج. واللخناء: هي المرأة التي لم تختن.