للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال عون بن عمارة: سمعت هشامًا الدستوائي يقول: والله ما أستطيع أن أقول: إني ذهبت يومًا قط أطلب الحديث، أريد به وجه الله ﷿.

قلت: والله ولا أنا، فقد كان السلف يطلبون العلم لله، فنبلوا، وصاروا أئمة يقتدى بهم، وطلبه قوم منهم أولًا لا لله، وحصلوه ثم استفاقوا، وحاسبوا أنفسهم فجرهم العلم إلى الإخلاص في أثناء الطريق كما قال مجاهد، وغيره: طلبنا هذا العلم، وما لنا فيه كبير نية ثم رزق الله النية بعد، وبعضهم يقول: طلبنا هذا العلم لغير الله فأبى أن يكونإلَّا لله. فهذا أيضًا حسن، ثم نشروه بنية صالحة.

وقوم طلبوه بنية فاسدة لأجل الدنيا، وليثنى عليهم فلهم ما نووا. قال : "من غزا ينوي عقالًا، فله ما نوى" (١).، وترى هذا الضرب لم يستضيؤوا بنور العلم، ولا لهم، وقع في النفوس، ولا لعلمهم كبير نتيجة من العمل، وإنما العالم من يخشى الله- تعالى.

وقوم نالوا العلم، وولوا به المناصب، فظلموا، وتركوا التقيد بالعلم، وركبوا الكبائر، والفواحش، فتبًا لهم، فما هؤلاء بعلماء!.

وبعضهم لم يتق الله في علمه، بل ركب الحيل، وأفتى بالرخص، وروى الشاذ من الأخبار. وبعضهم اجترأ على الله، ووضع الأحاديث فهتكه الله، وذهب علمه، وصار زاده إلى النار.، وهؤلاء الأقسام كلهم رووا من العلم شيئًا كبيرًا، وتضلعوا منه في الجملة فخلف من بعدهم خلف بان نقصهم في العلم، والعمل، وتلاهم قوم انتموا إلى العلم في الظاهر، ولم يتقنوا منه سوى نزر يسير أوهموا به أنهم علماء فضلاء، ولم يدر في أذهانهم


(١) صحيح بشواهده: أخرجه أحمد "٥/ ٣١٥ و ٣٢٠ و ٣٢٩"، والنسائي "٦/ ٢٤"، والدارمي "٢/ ٢٠٨" والحاكم "٢/ ١٠٩"، والبيهقي "٦/ ٣٣١" من طريق عن حماد بن سلمة، عن جبلة بن عطية، عن يحيى ابن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن جده، به.
وله شاهد عن أبي أمامة الباهلي قال: جاء رجل إلى النبي فقال أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ماله فقال رسول الله لا شيء له فأعادا ثلاث مرات يقول له رسول الله : لا شيء له ثم قال إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغى به وجهه". أخرجه النسائي "٦/ ٢٥" وغيره من طريق عكرمة بن عمار، عن شداد أبي عمار، عن أبي أمامة الباهلي، به. وإسناده حسن، عكرمة بن عمار صدوق كما قال الحافظ في "التقريب". وله شاهد آخر عن أبي هريرة مرفوعا: أول يقضي لهم يوم القيامة ثلاثة رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيا قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال: كذبت ولكنك قاتلت ليقال فلان جرئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى في النار .... " الحديث، وهو صحيح وله شواهد أخرى أجتزى بما ذكرت لضيق المقام.

<<  <  ج: ص:  >  >>