قط أنهم يتقربون به إلى الله، لأنهم ما رأوا شيخًا يقتدى به في العلم، فصاروا همجًا رعاعًا، غاية المدرس منهم أن يحصل كتبًا مثمنة، يخزنها وينظر فيها يومًا ما، فيصحف ما يورده، ولا يقرره. فنسأل الله النجاة والعفو، كما قال بعضهم: ما أنا عالم، ولا رأيت عالمًا.
وقد كان هشام بن أبي عبد الله من الأئمة، لولا ما شاب علمه بالقدر.
قال الحافظ محمد بن البرقي: قلت ليحيى بن معين: أرأيت من يرمى بالقدر، يكتب حديثه? قال: نعم، قد كان قتادة، وهشام الدستوائي، وسعيد بن أبي عروبة، وعبد الوارث، وذكر جماعة -يقولون بالقدر، وهم ثقات، يكتب حديثهم، ما لم يدعوا إلى شيء.
قلت: هذه مسألة كبيرة: وهي القدري، والمعتزلي، والجهمي، والرافضي، إذا علم صدقه في الحديث وتقواه، ولم يكن داعيًا إلى بدعته، فالذي عليه أكثر العلماء قبول روايته، والعمل بحديثه، وترددوا في الداعية، هل يؤخذ عنه? فذهب كثير من الحفاظ إلى تجنب حديثه، وهجرانه، وقال بعضهم: إذا علمنا صدقه، وكان داعية، ووجدنا عنده سنة تفرد بها فكيف يسوغ لنا ترك تلك السنة? فجميع تصرفات أئمة الحديث تؤذن بأن المبتدع إذا لم تبح بدعته خروجه من دائرة الإسلام، ولم تبح دمه، فإن قبول ما رواه سائغ.
وهذه المسألة لم تتبرهن لي كما ينبغي، والذي أتضح لي منها: أن من دخل في بدعة، ولم يعد من رؤوسها، ولا أمعن فيها، يقبل حديثه، كما مثل الحافظ أبو زكريا بأولئك المذكورين، وحديثهم في كتب الإسلام لصدقهم وحفظهم.
قال معاذ بن هشام: مكث أبي -يعني عاش- ثمانيًا وسبعين سنة.
قلت: فهذا يدل على أنه أسن من أبي حنيفة وشعبة، وأنه ولد في حياة جابر بن عبد الله، وطائفة من الصحابة.
قال أبو الحسن الميموني: حدثنا أحمد بن حنبل، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: مات هشام بن أبي عبد الله سنة اثنتين وخمسين ومائة، كان بينه، وبين قتادة سبع سنين -يعني: في المولد- وقال زيد بن الحباب: دخلت عليه سنة ثلاث وخمسين، ومائة، ومات بعد ذلك بأيام. وقال أبو الوليد، وعمرو الفلاس: مات سنة أربع وخمسين.
قلت: حديثه في الدواوين كلها، إلَّا "الموطأ".
أخبرنا الأئمة: يحيى بن أبي منصور، وعبد الرحمن بن محمد، والمسلم بن محمد، وعلي بن أحمد، وأحمد بن عبد السلام إجازةً، أنبأنا عمرو بن محمد، أنبأنا هبة الله بن