للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وبه قال ابن بَشَّار: أمسينا مع إبراهيم ليلةً، ليس لنا ما نفطر عليه، فقال: يا ابن بشار! ماذا أنعم الله على الفقراء والمساكين من النعيم والراحة، لا يسألهم يوم القيامة عن زكاة، ولا حج، ولا صدقة، ولا صلة رحم! لا تغتم، فرزق الله سيأتيك نحن -والله- الملوك الأغنياء، تعجلنا الراحة، لا نبالي على أي حال كنا إذا أطعنا الله. ثم قام إلى صلاته، وقمت إلى صلاتي، فإذا برجل قد جاء بثمانية أرغفة، وتمر كثير، فوضعه، فقال: كل يا مغموم. فدخل سائل، فأعطاه ثلاثة أرغفة مع تمر، وأعطاني ثلاثة، وأكل رغيفين.

وكنت معه، فأتينا على قبر مُسَنَّم، فترحم عليه، وقال: هذا قبر حميد بن جابر، أمير هذه المدن كلها، كان غارقًا في بحار الدنيا، ثم أخرجه الله منها. بلغني أنه سر ذات يوم بشيء، ونام، فرأى رجلا بيده كتاب، ففتحه، فإذا هو كتاب بالذهب: لا تؤثرن فانيًا على باق، ولا تغترن بملكك، فإن ما أنت فيه جسيم لولا أنه عديم، وهو ملك لولا أن بعده هلك، وفرح وسرور، لولا أنه غرور، وهو يوم لو كان يوثق له بعد، فسارع إلى أمر الله، فإن الله قال: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٣]. فانتبه فزعًا، وقال: هذا تنبيه من الله وموعظة. فخرج من ملكه، وقصد هذا الجبل، فعبد الله فيه حتى مات.

وروي أن إبراهيم بن أدهم حصد ليلة ما يحصده عشرة، فأخذ أجرته دينارًا.

أنبأنا أحمد بن سلامة، عن عبد الرحيم بن محمد، أنبأنا الحداد، أنبأنا أبو نعيم، حدثنا إبراهيم بن عبد الله، حدثنا السراج: سمعت إبراهيم بن بشار يقول: قلت لإبراهيم بن أدهم: كيف كان بدء أمرك? قال: غير ذا أولى بك. قال: قلت: أخبرني لعل الله أن ينفعنا به يومًا. قال: كان أبي من الملوك المياسير، وحُبِّبَ إلينا الصيدُ، فركبتُ، فثار أرنب أو ثعلب، فحركت فرسي، فسمعت نداءً من ورائي: ليس لذا خلقت، ولا بذا أمرت. فوقفت أنظر يمنة يمنة ويسرة، فلم أر أحدًا، فقلت: لعن الله إبليس ثم حركت فرسي، فأسمع نداءً أجهر من ذلك. يا إبراهيم! ليس لذا خلقت، ولا بذا أمرت. فوقفت أنظر فلا أرى أحدًا، فقلت: لعن الله إبليس. فأسمع نداءً من قُرْبوس سرجي بذاك، فقلت: أنبهت، أنبهت، جاءني نذير، والله لا عصيت الله بعد يومي ما عصمني الله فرجعت إلى أهلي فخليت فرسي ثم جئت إلى رعاة لأبي، فأخذت جبة كساءً، وألقيت ثيابي إليه، ثم أقبلت إلى العراق، فعملت بها أيامًا، فلم يصفُ لي منها الحلال، فقيل لي: عليك بالشام … ، فذكر حكاية نطارته الرُّمَّان وقال الخادم له: أنت تأكل فاكهتنا، ولا تعرف الحلو من الحامض? قلت: والله ما ذقتها. فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>