للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سيق إليهم، وعملوا به، ودانوا به، من اختلاف أصحاب رسول الله وغيرهم، وإن ردهم عما اعتقدوه شديد، فدع الناس وما هم عليه، وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم. فقال: لعمري، لو طاوعتني لأمرت بذلك.

قال الزبير بن بكار: حدثنا ابن مسكين، ومحمد بن مسلمة، قالا: سمعنا مالكًا يذكر دخوله على المنصور، وقوله في انتساخ كتبه، وحمل الناس عليها، فقلت: قد رسخ في قلوب أهل كل بلد ما اعتقدوه وعملوا به، وردُّ العامة عن مثل هذا عسير.

قال الواقدي: كان مالك يجلس في منزله على ضجاع ونمارق مطروحة يمنة ويسرة في سائر البيت لمن يأتي، وكان مجلسه مجلس وقار وحلم، وكان مهيبًا نبيلا، ليس في مجلسه شيء من المراء واللغط، وكان الغرباء يسألونه عن الحديث، بعد الحديث وربما أذن لبعضهم، فقرأ عليه، وكان له كاتب يقال له: حبيب. قد نسخ كتبه، ويقرأ للجماعة، فإذا أخطأ فتح عليه مالك، وكان ذلك قليلا.

أبو زُرْعة: حدثنا أبو مُسْهِر، قال لي مالك: قال لي أبو جعفر: يا أبا عبد الله! ذهب الناس، لم يبق غيري وغيرك.

ابن وهب، عن مالك: دخلت على أبي جعفر، فرأيت غير واحد من بني هاشم يقبلون يده، وعوفيت، فلم أقبل له يدًا.

المِحْنة:

قال محمد بن جرير: كان مالك قد ضرب بالسياط، واختلف في سبب ذلك، فحدثني العباس بن الوليد، حدثنا ابن ذكوان، عن مروان الطاطري: أن أبا جعفر نهى مالكًا عن الحديث: "ليس على مستكره طلاق" (١). ثم دس إليه من يسأله، فحدثه به على رءوس الناس، فضربه بالسياط.


(١) علقه البخاري في كتاب الطلاق، باب الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون، ولفظه عن ابن عباس قال: "طلاق السكران والمستكره ليس بجائز". قال الحافظ في الفتح "٩/ ٣٩١ - ٣٩٢": وصله ابن أبي شيبة "٥/ ٤٨" وسعيد بن منصور جميعا عن هشيم، عن عبد الله بن طلحة الخزاعي، عن أبي يزيد المزني، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: "ليس لسكران ولا لمضطهد طلاق"، والمضطهد بضاد معجمة ساكنة ثم طاء مهملة مفتوحة ثم هاء مهملة هو المغلوب المقهور، وأخرجه أبو داود "٢١٩٣"، وابن ماجه "٢٠٤٦"، والحاكم "٢/ ١٩٨"، والبيهقي "٧/ ٣٥٧" وأحمد "٦/ ٢٧٦" من طرق عن محمد بن إسحاق قال: حدثني ثور بن يزيد الحمصي، عن محمد بن عبيد بن أبي صالح المكي قال: حججت مع عدي بن عدي الكندي فبعثني إلى صفية بنت شيبة ابنة عثمان صاحب الكعبة أسألها عن أشياء سمعتها من عائشة زوج النبي عن رسول الله فكان فيما حدثتني أنها سمعت عائشة تقول: سمعت رسول الله يقول: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق". وهو حديث حسن له طرق يرتقي بها إلى مرتبة الحسن عند الدارقطني والبيهقي والحاكم، لولا ضيق المقام لفصلنا الكلام عليها تفصيلا.
وقوله: "في إغلاق". قال أبو داود: الإغلاق أظنه في الغضب. وقال ابن الأثير في "النهاية": في إغلاق: أي في إكراه، لأن المكره مغلق عليه في أمره ومضيق عليه في تصرفه كما يغلق الباب على الإنسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>