للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وحدثنا العباس، حدثنا إبراهيم بن حماد: أنه كان ينظر إلى مالك إذا أقيم من مجلسه، حمل يده بالأخرى.

ابن سعد: حدثنا الواقدي، قال: ما دعي مالك، وشُووِرَ، وسمع منه، وقبل قوله، حسد، وبَغَوه بكل شيء، فلما ولي جعفر بن سليمان المدينة، سعوا به إليه، وكثروا عليه عنده، وقالوا: لا يرى أيمان بيعتكم هذه بشيء، وهو يأخذ بحديث رواه عن ثابت بن الأحنف في طلاق المكره: أنه لا يجوز عنده. قال: فغضب جعفر، فدعا بمالك، فاحتج عليه بما رفع إليه عنه، فأمر بتجريده، وضربه بالسياط، وجُبْذَت يده حتى انخلعت من كتفه، وارتكب منه أمر عظيم، فوالله ما زال مالك بعد في رفعة وعلو.

قلت: هذا ثمرة المحنة المحمودة، أنها ترفع العبد عند المؤمنين، وبكل حال فهي بما كسبت أيدينا، ويعفو الله عن كثير: "ومن يرد الله به خيرًا يصيب منه" (١). وقال النبي : "كل قضاء المؤمن خير له" (٢). وقال الله -تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ﴾ [محمد: ٣١]. وأنزل -تعالى- في وقعه أحد قوله: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٦٥]. وقال: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: ٣٠]. فالمؤمن إذا امتحن صبر واتعظ واستغفر، ولم يتشاغل بذم من انتقم منه، فالله حكم مُقْسِطٌ، ثم يحمد الله على سلامة دينه، ويعلم أن عقوبة الدنيا أهون وخير له.

قال القاضي عياض: ألف في مناقب مالك جماعة منهم القاضي أبو


(١) صحيح: أخرجه مالك "٢/ ٩٤١"، ومن طريقه البخاري "٥٦٤٥"، وأحمد "٢/ ٢٣٧"، والقضاعي في "مسند الشهاب" "٣٤٤"، والبغوي "١٤٢٠"، عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه قال: سمعت سعيد بن يسار أبا الحباب يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله . فذكره.
(٢) حسن: أخرجه أحمد "٣/ ١١٧ و ١٨٤" و"٥/ ٢٤"، والقضاعي في "مسند الشهاب" "٥٩٦" عن ثعلبة بن عاصم، عن أنس بن مالك مرفوعا بلفظ: "عجبت للمؤمن إن الله لم يقض قضاء إلا كان خيرا له".

<<  <  ج: ص:  >  >>