بيت الخلافة، أكنتم تبايعونه? قالوا: وكيف لنا بذلك? فقال: هذا عبد الرحمن بن معاوية. فأتوه، فبايعوه، فتملك الأندلس ثلاثًا وثلاثين سنة، وبقي الملك في عقبه إلى سنة أربع مائة. ولم يتلقب بالخلافة، لا هو ولا أكثر ذريته، إنما كان يقال: الأمير فلان.
وأول من تلقب بأمير المؤمنين منهم: الناصر لدين الله، في حدود العشرين وثلاثمائة، عندما بلغه ضعف خلفاء العصر، فقال: أنا أولى بإمرة المؤمنين.
دخل عبد الرحمن بن معاوية الأندلس في سنة ثمان وثلاثين.
ومولده بأرض تدمر سنة ثلاث عشرة ومائة، في خلافة جده.
وأما أبو القاسم بن بشكوال الحافظ، فقال: فر من المشرق عند انقراض ملكهم، هو وأخوان أصغر منه، وغلام لهم، فلم يزالوا يخفون أنفسهم، والجعائل قد جعلت عليهم، والمراصد، فسلكوا حتى وصلوا وادي بجاية، فبعثوا الغلام يشتري لهم خبزًا، فأنكرت الدراهم، وقبض على الغلام، وضرب، فأقر فأركبوا خيلًا، فرأى عبد الرحمن الفرسان، فتهيأ للسباحة، وقال لأخويه: اسبحا معي. فنجا هو، وقصرا، فأشاروا إليهما بالأمان، فلما حصلا في أيديهم، ذبحوهما، وأخوهما ينظر من هناك، ثم آواه شيخ كريم العهد، وقال: لأسترنك جهدي. فوقع عليه التفتيش ببجاية، إلى أن جاء الطالب إلى دار الشيخ، وكان له امرأة ضخمة، فأجلسها تتسرح، وأخفى عبد الرحمن تحت ثيابها، وصيح الشيخ: يا سبحان الله! الحرم. فقالوا: غطَّ أهلك. وخرجوا، وستره الله مدة، ثم دخل الأندلس في قارب سماك، فحصل بمدينة المنُكَّب.
وكان قواد الأندلس وجندها موالي بني أمية، فبعث إلى قائد، فأعلمه بشأنه، فقبل يديه، وفرح به، وجعله عنده، ثم قال: جاء الذي كنا نتحدث أنه إذا انقرض ملك بني أمية بالمشرق، نبغ منهم عبد الرحمن بالمغرب. ثم كتب إلى الموالي، وعرفهم، ففرحوا، وأصفقوا على بيعته، واستوثقوا من أمراء العرب، وشيوخ البربر. فلما استحكم الأمر، أظهروا بيعته بعد ثمانية أشهر، وذلك في ربيع الآخر، سنة ثمان وثلاثين ومائة، فقصد قرطبة، ومتولي الأندلس يومئذ: يوسف الفهري، فاستعد جهده، فالتقوا، فانهزم يوسف، ودخل عبد الرحمن بن معاوية الداخل قصرَ قرطبة يوم الجمعة، يوم الأضحى من العام. ثم حاربه يوسف ثانيًا ودخل قرطبة، واستولى عليها، وكر عبد الرحمن عليه، فهرب يوسف، والتجأ إلى غرناطة، فامتنع بإلبيرة. فنازله عبد الرحمن، وضيق عليه، ورأى يوسف اجتماع الأمر للداخل، فنزل بالأمان بمحضر من قاضي الأندلس يحيى بن يزيد التُّجيبي، وكان رجلا