صالحًا، استعمله على القضاء عمر بن عبد العزيز، فزاده الداخل إجلالا وإكرامًا، فبقي على قضائه إلى أن مات سنة اثنتين وأربعين ومائة، فاستعمل على القضاء معاوية بن صالح. فلما أراد معاوية هذا، الحج، وجهه الداخل إلى أختيه بالشام، وعمته رملة بنت هشام، ليعمل الحيلة في إدخالهن إلى عنده، وأنشد عند ذلك:
أيها الركب الميمم أرضي … أقر من بعضي السلام لبعضي
إن جسمي كما علمت بأرض … وفؤادي ومالكيه بأرض
قدر البين بيننا فافترقنا … فطوى البين عن جفوني غمضي
وقضى الله بالفراق علينا … فعسى باجتماعنا سوف يقضي
فلما وصل إليهن، قلن: السفر، لا نأمن غوائله على القرب، فكيف وقد حالت بيننا بحار ومفاوز، ونحن حرم، وقد آمننا هؤلاء القوم على معرفتهم بمكاننا منه، فحسبنا أن نتملى المسرة بعزة وعافية.
فانصرف بكتابهما، وبعثا إليه بأعلاق نفيسة من ذخائر الخلافة، فسر بها الأمير عبد الرحمن، وقضى لرأيهما بالرجاحة، ثم بعد وصل آخر من الشام بكتاب منهن، وبهدايا وتحف منها: رُمَّان من رصافة جدهم هشام، فسر به الداخل، وكان بحضرته سفر بن عبيد الكَلاعي من أهل الأردن، فأخذ من الرمان، وزرع من عَجَمه بقريته حتى صار شجرًا، وزاد حسنًا، وجاء بثمره إلى الأمير، وكثر هناك، ويعرف بالسَّفَري، وغرس منه بمنية الرُّصافة.
ورأى الداخل نخلة مفردة بالرصافة، فهاجمت شجنه، وتذكر وطنه، فقال:
تبدت لنا وسط الرصافة نخلة … تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل
فقلت شبيهي في التغرب والنوى … وطول انثنائي عن بني وعن أهلي
نشأت بأرض أنت فيها غريبة … فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي
سقتك عوادي المزن من صوبها الذي … يسح وتستمري السماكين بالوبل
قال ابن حيان: وحين افتتح المسلمون قرطبة، شاطروا أهلها كنيستهم العظمى، كما فعل أبو عبيدة وخالد بأعاجم دمشق، فابتنوا فيه مسجدًا، وبقي الشطر بأيدي الروم إلى أن كثرت عمارة قرطبة، وتداولتها بعوث العرب، فضاق المسجد، وعُلق منه سقائف، وصار الناس ينالون مشقة لقصر السقائف إلى أن أذخر الله فيه الأجر لصحيفة الداخل، وابتاع الشطر الثاني من النصارى بمائة ألف دينار، وقبضوها على ملأ من الناس، ورضوا بعد تمنع، وعمل هذا