مسدسة، فهذه المنارة إحدى عجائب الدنيا، وذرع المحراب إلى داخل ثمانية أذرع ونصف، ومن الشرق إلى الغرب سبعة أذرع ونصف، وارتفاع قبوه ثلاثة عشر ذراعًا ونصف، وذراع المقصورة من الشرق إلى الغرب خمسة وسبعون ذراعًا، وعرضها من جدار الخشب إلى القبلة اثنان وعشرون ذراعًا، وطول الجامع ثلاثمائة وثلاثون ذراعًا، ومن الشرق إلى الغرب مائتان وخمسون ذراعًا.
وأما الإسلام فكان عزيزًا منيعًا بالأندلس في دولة الداخل، فانظر إلى هذا الأمان الذي كتب عنه للنصارى:
بسم الله الرحمن الرحيم: كتاب أمان ورحمة، وحقن دماء وعصمة، عقده الأمير الأكرم الملك المعظم عبد الرحمن بن معاوية، ذو الشرف الصميم، والخير العميم، للبطارقة والرهبان، ومن تبعهم من سائر البلدان، أهل قشتالة وأعمالها، ما داموا على الطاعة في أداء ما تحملوه، فأشهد على نفسه أن عهده لا ينسخ ما أقاموا على تأدية عشرة آلاف أوقية من الذهب، وعشرة آلاف رطل من الفضة، وعشرة آلاف رأس من خيار الخيل، ومثلها من البغال، مع ذلك ألف درع وألف بيضة، ومن الرماح الدردار مثلها في كل عام، ومتى ثبت عليهم النكث بأسير يأسرونه، أو مسلم يغدرونه، انتكث ما عوهدوا عليه، وكتب لهم هذا الأمان بأيديهم إلى خمس سنين، أولها صفر عام اثنين وأربعين ومائة.
وذكر ابن عساكر بإسناد له: أن عبد الرحمن لما عدى إلى الجزيرة، فنزلها، اتبعه أهلها، ثم مضى إلى إشبيلية، فاتبعه أهلها، ثم مضى إلى قرطبة، فاتبعه من فيها، فلما رأى يوسف الفهري العساكر قد أظلته، هرب إلى دار الشرك، فتحصن هناك، وغزاه عبد الرحمن بعد ذلك، فوقعت نفرة في عسكره، فانهزم، ورد عبد الرحمن بلا حرب، وجعل لمن أتاه برأس يوسف جُعلا، فأتاه رجل من أصحاب يوسف برأسه.
وقال الحميدي: دخل عبد الرحمن الأندلس، فقامت معه اليمانية، وحارب يوسف عبد الرحمن الفهري متولي الأندلس، فهزمه، وكان عبد الرحمن من أهل العلم على سيرة جميلة من العدل.
وقال أبو المظفر الأبيْوَرْدي في "أخبار بني أمية": كان الناس يقولون: ملك الأرض ابنا بربريَّتين -يعني: عبد الرحمن، والمنصور.
وكان المنصور يقول عن عبد الرحمن بن معاوية: ذاك صقر قريش، دخل المغرب وقد قُتِلَ قومه، فلم يزل يضرب العدنانية بالقحطانية حتى ملك.