وقال سعيد بن عثمان اللغوي المتوفى سنة أربع مائة: كانت بقرطبة جنة اتخذها عبد الرحمن بن معاوية، كان فيها نخلة أدركتُها.
وفي ذلك يقول عبد الرحمن بن معاوية:
يا نخل أنت غريبة مثلي … في الغرب نائية عن الأهل
فابكي وهل تبكي ملمسة … عجماء لم تطبع على خبل
لو أنها تبكي إذن لبكت … ماء الفرات ومنبت النخل
لكنها ذهلت وأذهلني … بغضي بني العباس عن أهلي
وقد ولي على الأندلس عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي في أيام عمر بن عبد العزيز، فبنى تلك القناطر بقرطبة بقبلي القصر والجامع، وهي ثمانية عشر قوسًا، طولها ثمانمائة باع، وعرضها سوى ستائرها عشرون باعًا، وارتفاعها ستون ذراعًا، وهي من عجائب الدنيا.
ولما انقرضت دولة بني أمية، اتفق الناس على تقديم يوسف بن عبد الرحمن بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري، فعمرت البلاد في أيامه، واتسعت، فلما أراد الله ظهور ملك بني أمية بالأندلس، ذلت لعبد الرحمن قبائل العرب، وسلم له الأمر، وقتل يوسف الفهري بوادي الزيتون، وخطب لعبد الرحمن بجميع الأمصار بها، وشيد قرطبة وعزا عدة غزوات.
من ذلك: غزوة قشتالة، جاز إليها من نهر طليطلة، وفرت الروم أمامه، وتعلقت بالحبال، فلم يزل حتى وصل مدينة برنيقة، من مملكة قشتالة، فنزل عليها، وأمر برفع الخيام، وشرع في البناء، وأخذ الناس يبنون، فسلموا إليه الأمان عند إياسهم من النجدة، وخرجوا بثيابهم فقط، وما يزودهم، ثم كتب لأهل قشتالة ذلك الأمان الذي تقدم، وهو بخط الوزير بشر بن سعيد الغافقي.
ولما صفا الأمر لعبد الرحمن بعد مقتل عثمان بن حمزة، من ولد عمر ابن الخطاب، وذلك بعد سبعة أعوام من تمنعه بطليطلة، عظم سلطانه، وامتدت أيامه، وعاش ستين سنة، ثم توفي سنة اثنتين وسبعين ومائة، وأيست بنو العباس من مملكة الأندلس لبعد الشقة.