للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في خروجهم، فكانت غزوته من أعظم المغازي، لولا ما طرأ فيها من تضييع الحزم، ورامت الروم السلم، فأبى عليهم الحكم، ثم خرج من بلادهم خوفًا من الثلوج، فلما كان العام الآتي، استعد أعظم استعداد، وقصد سمورة، فقتل، وسبى، كل ما مر به، ثم نازلها شهرين، ثم دخلوها بعد جهد، وبذلوا فيها السيف إلى المساء، ثم انحاز المسلمون، فباتوا على أسوارها، ثم صبحوها من الغد، لا يبقون على محتلم.

قال الرازي في "مغازي الأندلس": الذي أحصي ممن قتل في سمورة ثلاث مائة ألف نفس، فلما بلغ الخبر ملك رومية، كتب إلى الحكم يرغب في الأمان، فوضع على الروم ما كان جده وضع عليهم، وزاد عليهم أن يجلبوا من تراب مدينة رومية نفسها ما يصنع به أكوام بشرقي قرطبة صغارًا لهم، وإعلاء لمنار الإسلام، فهما كومان من التراب الأحمر في بسيط مدرتها السوداء.

قلت: وكثرت العلماء بالأندلس في دولته، حتى قيل: إنه كان بقرطبة أربعة آلاف متقلس متزيين بزي العلماء، فلما أراد الله فناءهم، عز عليهم انتهاك الحكم للحرمات، وائتمروا ليخلعوه، ثم جيشوا لقتاله، وجرت بالأندلس فتنة عظيمة على الإسلام وأهله، فلا قوة إلا بالله، فذكر ابن مزين في "تاريخه": طالوت بن عبد الجبار المعافري، وأنه أحد العلماء العاملين الشهداء الذين هموا بخلع الحكم، وقالوا: إنه غير عدل، ونكثوه في نفوس العوام، وزعموا أنه لا يحل المكث ولا الصبر على هذه السيرة الذميمة، وعولوا على تقديم أحد أهل الشورى بقرطبة، وهو أبو الشماس أحمد بن المنذر بن الداخل الأموي ابن عم الحكم، لما عرفوا من صلاحه، وعقله، ودينه، فقصدوه، وعرفوه بالأمر، فأبدى الميل إليهم والبشرى بهم، وقال لهم: أنتم أضيافي الليلة، فإن الليل أستر. وناموا، وقام هو إلى ابن عمه بجهل، فأخبره بشأنهم، فاغتاظ لذلك، وقال: جئت لسفك دمي أو دمائهم، وهم أعلام، فمن أين نتوصل إلى ما ذكرت? فقال: أرسل معي من تثق به ليتحقق. فوجه من أحب، فأدخلهم أحمد في بيته تحت ستر، ودخل الليل، وجاء القوم، فقال: خبروني من معكم? فقالوا: فلان الفقيه، وفلان الوزير. وعدوا كبارًا، والكاتب يكتب حتى امتلأ الرق، فمد أحدهم يده وراء الستر، فرأى القوم، فقام وقاموا، وقالوا: فعلتها يا عدو الله. فمن فر لحينه، نجا، ومن لا، قبض عليه، فكان ممن فر: عيسى بن دينار الفقيه، ويحيى بن يحيى الفقيه صاحب مالك، وقرعوس بن العباس الثقفي.

وقبض على ناس كأبي كعب، وأخيه، ومالك بن يزيد القاضي، وموسى بن سالم

<<  <  ج: ص:  >  >>