للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الخولاني، ويحيى بن مضر الفقيه، وأمثالهم من أهل العلم والدين، في سبعة وسبعين رجلا، فضربت أعناقهم، وصلبوا.

وأضاف إليهم عميه؛ كليبًا وأمية، فصلبا، وأحرق القلوب عليهم، وسار بأمرهم الرفاق، وعلم الحكم أنه محقود من الناس كلهم، فأخذ في جمع الجنود والحشم، وتهيأ، وأخذت العامة في الهيج، واستأسد الناس، وتنمروا، وتأهبوا. فاتفق أن مملوكًا خرج من القصر بسيف دفعه إلى الصيقل، فماطله، فسبه، فجاوبه الصيقل، فتضاربا، ونال منه المملوك حتى كاد أن يتلفه، فلما تركه، أخذ الصيقل السيف، فقتل به المملوك، فتألب إلى المقتول جماعة، وإلى القاتل جماعة أخرى، واستفحل الشر، وذلك في رمضان، سنة اثنتين ومائتين، وتداعى أهل قرطبة من أرباضهم، وتألبوا بالسلاح، وقصدوا القصر، فركب الجيش والإمام الحكم، فهزموا العامة، وجاءهم عسكر من خلفهم، فوضعوا فيهم السيف، وكانت وقعة هائلة شنيعة، مضى فيها عدد كثير زهاء عن أربعين ألفًا من أهل الربض، وعاينوا البلاء من قدامهم ومن خلفهم، فتداعوا بالطاعة، وأذعنوا ولاذوا بالعفو، فعفا عنهم على أن يخرجوا من قرطبة، ففعلوا، وهدمت ديارهم ومساجدهم، ونزل منهم ألوف بطليطلة، وخلق في الثغور، وجاز آخرون البحر، ونزلوا بلاد البربر، وثبت جمع بفاس، وابتنوا على ساحلها مدينة غلب على اسمها مدينة الأندلس، وسار جمع منهم زهاء خمسة عشر ألفًا، وفيهم عمر بن شعيب الغليظ، فاحتلوا بالإسكندرية، فاتفق بعد ذلك أن رجلا منهم اشترى لحمًا من جزار، فتضاجر معه، ورماه الجزار بكرش في وجهه، فرجع بتلك الحالة إلى قومه، فجاءوا فقتلوا اللحام، فقام عليهم أهل الإسكندرية، فاقتتلوا، وأخرج الأندلسيون أهلها هاربين، وتملكوا الإسكندرية. فاتصل الخبر بالمأمون فأرسل إليهم، وابتاع المدينة منهم، على أن يخرجوا منها، وينزلوا جزيرة إقريطش (١)، فخرجوا، ونزلوها، وافتتحوها، فلم يزالوا فيها إلى أن غلب عليها أرمانوس بن قسطنطين سنة خمس وثلاثمائة.

وأما الحكم فإنه اطمأن، وكتب إلى القائد محمد بن رستم كتابًا فيه: وأنه تداعى فسقة من أهل قرطبة إلى الثورة، وشهروا السلاح، فأنهضنا لهم الرجال، فقتلنا فيهم قتلا ذريعًا، وأعان الله عليهم، فأمسكنا عن أموالهم وحرمهم.

ثم كتب الحكم كتاب أمان عام، وكان طالوت (٢) اختفى سنة عند يهودي، ثم خرج،


(١) جزيرة إقريطش: جزيرة في البحر المتوسط. وتعرف اليوم بـ"كريت".
(٢) هو: طالوت بن عبد الجبار المعافري الأندلسي، دخل مصر، وحج، ولقي مالك بن أنس، وعاد إلى قرطبة كما في "نفح الطيب" للمقري "٢/ ٦٣٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>