للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقصد الوزير أبا البسام ليختفي عنده، فأسلمه إلى الحكم فقال: ما رأي الأمير في كبش سمين، وقف على مذوده عامًا؟ فقال الحكم: لحم ثقيل، ما الخبر? قال: طالوت عندي. فأمره بإحضاره، فأحضر، فقال: يا طالوت! أخبرني لو أن أباك أو ابنك ملك هذه الدار، أكنت فيها في الإكرام والبر على ما كنت أفعل معك? ألم أفعل كذا؟ ألم أمش في جنازة امرأتك، ورجعت معك إلى دارك? أفما رضيت إلا بسفك دمي? فقال الفقيه في نفسه: لا أجد أنفع من الصدق، فقال: إني كنت أبغضك لله، فلم يمنعك ما صنعت معي لغير الله، وإني لمعترف بذلك -أصلحك الله- فوجم الخليفة، وقال: اعلم أن الذي أبغضتني له قد صرفني عنك، فانصرف في حفظ الله، ولست بتارك برك، وليت الذي كان لم يكن، ولكن أين ظفر بك أبو البسام -لا كان؟ فقال: أنا أظفرته بنفسي، وقصدته. قال: فأين كنت في عامك? قال: في دار يهودي، حفظني لله. فأطرق الخليفة مليًا، ورفع رأسه إلى أبي البسام، وقال: حفظه يهودي، وستر عليه لمكانه من العلم والدين، وغدرت به إذ قصدك، وخفرت ذمته، لا أرانا الله في القيامة وجهه إن رأينا لك وجهًا. وطرده، وكتب لليهودي كتابًا بالجزية فيما ملك، وزاد في إحسانه فلما رأى اليهودي ذلك، أسلم مكانه.

قال ابن مزين: وكان أهل طليطلة لهم نفوس أبية، وكانوا لا يصبرون على ظلم بني أمية، فإن ولاتهم كان فيهم ظلم وتعد، فكانوا يثبون على الوالي ويخرجونه، فولى عليهم الحكم عمروسًا، رجلا منهم. وكان عمروس داهية، فداخل الحكم، وعمل على رءوس أهل طليطلة حتى قتل جماعة منهم.

قال ابن مزين: فأشار أولا على الأعيان ببناء قلعة تحميهم، ففعلوا، فبعث إلى الخليفة كتبًا بمعاملة منه، فيه شتمه وسبه، فقام له، وقعد، وسب وأفحش، وبعث للخليفة ولده للغزو، فاحتال عمروس (١) على الأكابر حتى خرجوا، وتلقوه، ورغبوه في الدخول إلى قلعتهم، ومد سماطًا، واستدعاهم، فكان الداخل يدخل على باب، ويخرج من باب آخر، فتضرب عنقه حتى كمل كذلك نحو الخمسة آلاف، حتى غلا بخار الدماء، وظهرت الرائحة، ثم بعث الحكم أمانًا ليحيى بن يحيى الليثي.

مات الحكم سنة ست ومائتين، في آخرها، وله ثلاث وخمسون سنة. وولي الأندلس بعده: ابنه أبو المطرف عبد الرحمن، فلنذكره.


(١) هو: عمروس بن يوسف، والي الحكم على الثغر. اشتهر بذبحه للمنشقين عنه في فناء قصره كما ذكره المؤلف فيما يأتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>