ومما عظم به يعقوب عند المهدي، أنه أحضر له الحسن بن إبراهيم بن عبد الله، فجمع بينهما بمكة، وبايعه، فتألم بنو حسن من صنيع يعقوب، وعرف هو أنهم إن ملكوا أهلكوه، وكثرت السعاة، فمال إلى إسحاق بن الفضل، وسعوا إلى المهدي، وقالوا: الممالك في قبضة يعقوب وأصحابه، ولو كتب إليهم، لثاروا في وقت على ميعاد، فيملكوا الأرض، ويستخلف إسحاق. فملأ هذا الكلام مسامع المهدي، وقف شعره.
فعن بعض خدم المهدي: أنه كان قائمًا على رأس المهدي، إذ دخل يعقوب، فقال: يا أمير المؤمنين! قد عرفت اضطراب أمر مصر، وأمرتني أن ألتمس لها رجلا، وقد وجدته. قال: ومن? قال: ابن عمك؛ إسحاق بن الفضل. فتغير المهدي، وفطن يعقوب، فخرج، فقال المهدي: قتلني الله إن لم أقتلك. ثم نظر إليَّ، وقال: ويلك! اكتم هذا.
وقيل: كان يعقوب قد عرف أخلاق المهدي، ونهمته في النساء، فكان يباسطه. فروى: علي بن يعقوب، عن أبيه، قال: بعث إلي المهدي، فدخلت، فإذا هو في مجلس مفروش، وبستان فيه من أنواع الزهر، وعنده جارية لم أر مثلها، فقال: كيف ترى? قلت: متع الله أمير المؤمنين، لم أر كاليوم. فقال: هو لك بما حوى والجارية، ولي حاجة. قلت: الأمر لك فحلفني بالله، فحلفت، وقال: ضع يدك على رأسي واحلف. ثم قال: هذا فلان من ولد فاطمة، أرحني منه، وأسرع. قلت: نعم. فأخذته، وذهبت بالجارية والمفارش، وأمر لي بمائة ألف، فمضيت بالجميع، فلشدة سروري بالجارية تركتها معي، وكلمت العلوي، فقال: ويحك! تلقى الله غدًا بدمي، وأنا ابن بنت رسول الله ﷺ؟ فقلت: هل فيك خير? قال: نعم، ولك عندي دعاء واستغفار. فأعطيته مالا، وهيأت معه من يوصله في الليل، فإذا الجارية قد حفظت علي قولي، فبعثت به إلى المهدي، فسخَّر الطرق برجال، فجاءوه بالعلوي، فلما أصبحنا، دخلت على المهدي، فإذا العلوي، فبُهتُّ. فقال: حل دمك. ثم حبسني دهرًا في المطبق، وأصيب بصري، وطال شعري. قال: فإني لكذلك، إذ دعي به، فمضوا بي، فقيل لي: سلم على أمير المؤمنين. وقد عميت فسلمت. فقال: من أنا? قلت: المهدي. قال: رحم الله المهدي. قلت: فالهادي قال: رحم الله الهادي. قلت: فالرشيد. قال: نعم. سل حاجتك. قلت: المجاورة بمكة. قال: نفعل، فهل غير هذا? قلت: ما بقي في مستمتع. قال: فراشدًا. فخرجت إلى مكة. قال ابنه: فلم يطول.