وسمع بعضهم ابن المبارك وهو ينشد على سور طرسوس:
ومن البلاء وللبلاء علامة … أن لا يرى لك عن هواك نزوع
العبد عبد النفس في شهواتها … والحر يشبع مرة ويجوع
قال أبو أمية الأسود: سمعت ابن المبارك يقول: أحب الصالحين ولست منهم، وأبغض الطالحين وأنا شر منهم، ثم أنشأ يقول:
الصمت أزين بالفتى … من منطق في غير حينه
والصدق أجمل بالفتى … في القول عندي من يمينه
وعلى الفتى بوقاره … سمة تلوح على جبينه
فمن الذي يخفى عليـ … ـك إذا نظرت إلى قرينه
رب امرئ متيقن … غلب الشقاء على يقينه
فأزاله عن رأيه … فابتاع دنياه بدينه
قال أحمد بن عبد الله العجلي: حدثني أبي، قال: لما احتضر ابن المبارك، جعل رجل يلقنه، قل: لا إله إلا الله. فأكثر عليه، فقال له: لست تحسن، وأخاف أن تؤذي مسلمًا بعدي، إذا لقنتني، فقلت: لا إله إلا الله، ثم لم أحدث كلامًا بعدها، فدعني، فإذا أحدثت كلامًا، فلقني حتى تكون آخر كلامي.
يقال: إن الرشيد لما بلغه موت عبد الله، قال: مات اليوم سيد العلماء.
قال عبدان بن عثمان: مات ابن المبارك بهيت وعانات، في شهر رمضان، سنة إحدى وثمانين ومائة.
قال حسن بن الربيع: قال لي ابن المبارك قبل أن يموت: أنا ابن ثلاث وستين سنة.
قال أحمد بن حنبل: ذهبت لأسمع من ابن المبارك، فلم أدركه، وكان قد قدم بغداد، فخرج إلى الثغر، ولم أره.
قال محمد بن الفُضَيل بن عياض: رأيت ابن المبارك في النوم، فقلت: أي العمل أفضل? قال: الأمر الذي كنتُ فيه. قلت: الرباط والجهاد? قال: نعم. قلت: فما صنع بك ربك? قال: غفر لي مغفرة ما بعدها مغفرة. رواها رجلان عن محمد.