للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يخاطب إنسانًا، وكان إذا مر بآية فيها ذكر الجنة، يردد فيها، وسأل، وكانت صلاته بالليل أكثر ذلك قاعدًا، يلقى له الحصير في مسجده، فيصلي في أول الليل ساعة، ثم تغلبه عينيه، فيلقي نفسه على الحصير، فينام قليلًا، ثم يقوم، فإذا غلبه النوم نام، ثم يقوم هكذا حتى يصبح، وكان دأبه إذا نعس أن ينام، ويقال: أشد العبادة ما كان هكذا.

وكان صحيح الحديث، صدوق اللسان، شديد الهيبة للحديث إذا حدث، وكان يثقل عليه الحديث جدًّا، وربما قال لي: لو أنك طلبت مني الدنانير، كان أيسر علي من أن تطلب مني الحديث. فقلت: لو حدثتني بأحاديث فوائد ليست عندي، كان أحب إلي من أن تهب لي عددها دنانير. قال: إنك مفتون، أما والله لو عملت بما سمعت، لكان لك في ذلك شغل عما لم تسمع، سمعت سليمان بن مهران يقول: إذا كان بين يديك طعام تأكله، فتأخذ اللقمة، فترمي بها خلف ظهرك، متى تشبع?

أنبأنا أحمد بن سلامة، عن أبي المكارم التيمي، أخبرنا الحداد، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا الطبراني، حدثنا محمد بن زكريا الغلابي، حدثنا أبو عمر الجرمي النحوي، حدثنا الفضل بن الربيع، قال: حج أمير المؤمنين -يعني: هارون- فقال لي: ويحك! قد حك في نفسي شيء، فانظر لي رجلا أسأله. فقلت: ههنا سفيان بن عيينة. فقال: امض بنا إليه. فأتيناه، فقرعت بابه، فقال: من ذا? فقلت: أجب أمير المؤمنين. فخرج مسرعًا، فقال: يا أمير المؤمنين! لو أرسلت إليَّ، أتيتك. فقال: خذ لما جئتك له. فحدثه ساعة، ثم قال له: عليك دين? قال: نعم. فقال لي: اقض دينه. فلما خرجنا، قال: ما أغنى عني صاحبك شيئًا. قلت: ههنا عبد الرزاق. قال: امض بنا إليه. فأتيناه، فقرعت الباب، فخرج، وحادثه ساعة، ثم قال: عليك دين? قال: نعم. قال: أبا عباس! اقض دينه. فلما خرجنا، قال: ما أغنى عني صاحبك شيئًا، انظر لي رجلا أسأله. قلت: ههنا الفضيل بن عياض. قال: امض بنا إليه. فأتيناه، فإذا هو قائم يصلي، يتلو آية يرددها، فقال: اقرع الباب. فقرعت، فقال: من هذا? قلت: أجب أمير المؤمنين. قال: ما لي ولأمير المؤمنين? قلت: سبحان الله! أما عليك طاعة؟ فنزل، ففتح الباب، ثم ارتقى إلى الغرفة، فأطفأ السراج، ثم التجأ إلى زاوية، فدخلنا، فجعلنا نجول عليه بأيدينا، فسبقت كف هارون قبلي إليه، فقال: يا لها من كف ما ألينها إن نجت غدًا من عذاب الله! فقلت في نفسي: ليكلمنه الليلة بكلام نقي من قلب تقي. فقال له: خذ لما جئناك له -رحمك الله- فقال: إن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة، دعا سالم بن عبد الله، ومحمد بن كعب، ورجاء بن حيوة، فقال لهم: إني قد ابتليت بهذا البلاء، فأشيروا علي. فعد الخلافة بلاء، وعددتها أنت وأصحابك نعمة. فقال له سالم: إن أردت النجاة

<<  <  ج: ص:  >  >>