للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فصم الدنيا، وليكن إفطارك منها الموت. وقال له ابن كعب: إن أردت النجاة من عذاب الله، فليكن كبير المسلمين عندك أبًا، وأوسطهم أخًا، وأصغرهم ولدًا، فوقر أباك، وأكرم أخاك، وتحنن على ولدك.

وقال له رجاء: إن أردت النجاة من عذاب الله، فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك، ثم مت إذا شئت، وإني أقول لك هذا، وإني أخاف عليك أشد الخوف يومًا تزل فيه الأقدام، فهل معك -رحمك الله- من يشير عليك بمثل هذا؟ فبكى بكاء شديدًا، حتى غشي عليه. فقلت له: ارفق بأمير المؤمنين. فقال: يا ابن أم الربيع، تقتله أنت وأصحابك، وأرفق به أنا. ثم أفاق فقال له: زدني -رحمك الله. قلت: بلغني أن عاملا لعمر بن عبد العزيز شكي إليه، فكتب إليه: يا أخي! أذكرك طول سهر أهل النار في النار، مع خلود الأبد، وإياك أن ينصرف بك من عند الله، فيكون آخر العهد، وانقطاع الرجاء. فلما قرأ الكتاب، طوى البلاد، حتى قدم عليه، فقال: ما أقدمك? قال: خلعت قلبي بكتابك، لا أعود إلى ولاية حتى ألقى الله. فبكى هارون بكاء شديدًا. فقال: يا أمير المؤمنين! إن العباس عم النبي ﷺ جاء إليه فقال: أمِّرني فقال له: "إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة، فإن استطعت أن لا تكون أميرًا، فافعل" (١). فبكى هارون، وقال: زدني. قال: يا حسن الوجه، أنت الذي يسألك الله عن هذا الخلق يوم القيامة، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار، فافعل، وإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غش لأحد من رعيتك، فإن النبي ﷺ قال: "من أصبح لهم غاشًّا، لم يرح رائحة الجنة" (٢). فبكى هارون، وقال له: عليك دين? قال: نعم، دين لربي، لم يحاسبني عليه، فالويل لي إن ساءلني، والويل لي إن ناقشني،


(١) لم يرد بهذا اللفظ في شيء من كتب ودواوين السنة المشرفة، لكن ورد في عظم أمر الإمارة ما أخرجه مسلم "١٨٢٥" من طريق الحارث بن يزيد الحضرمي، عن ابن حجيرة الأكبر، عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي. ثم قال: "يا با ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها". وأخرج البخاري "٧١٤٨" من طريق ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: "إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة وبئست الفاطمة".
وأخرج البخاري "٧١٤٧" عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال لي رسول الله ﷺ: "يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك".
(٢) أخرجه البخاري "٧١٥١"، ومسلم "١٤٢" من حديث معقل بن يسار مرفوعا بلفظ: "ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة".

<<  <  ج: ص:  >  >>