قلت: فأي عمل وجدت? قال: تلاوة القرآن. قلت: فالمسائل? فأشار يُلَشِّيها. وسألته عن ابن وهب، فقال: في عليين.
قال الطحاوي: بلغني عن ابن القاسم، قال: ما أعلم في فلان عيبًا إلا دخوله إلى الحكام، ألا اشتغل بنفسه?!
قال سعيد بن الحداد: سمعت سُحْنُون يقول: كنت إذا سألت ابن القاسم عن المسائل، يقول لي: يا سحنون! أنت فارغ، إني لأحس في رأسي دويًا كدوي الرحا -يعني: من قيام الليل. قال: وكان قَلَّما يعرض لنا إلا وهو يقول: اتقوا الله، فإن قليل هذا الأمر مع تقوى الله كثير، وكثيره مع غير تقوى الله قليل.
وعن سُحْنُون قال: لما حججنا، كنت أزامل ابن وهب، وكان أشهب يزامله يتيمه، وكان ابن القاسم يزامله ابنه موسى، فكنت إذا نزلت، ذهبت إلى ابن القاسم أسائله من الكتب، وأقرأ عليه إلى قرب الرحيل، فقال لي ابن وهب وأشهب: لو كلمت صاحبك يفطر عندنا. فكلمته، فقال: إنه ليثقل علي ذلك. قلت: فبم يعلم القوم مكاني منك? فقال: إذا عزمت على ذلك، فأنا أفعل. فأتيت، فأعلمتهما، فلما كان وقت التعريس، قام معي، فأصبت أشهب وقد فرش أنطاعه، وأتى من الأطعمة بأمر عظيم، وصنع ابن وهب دون ذلك، فلما أتى عبد الرحمن، سلم، وقعد، ثم أدار عينه في الطعام، فإذا سكرجة فيها دقة، فأخذها بيده، فحرك الأبزار حتى صارت ناحية، ولعق من الملح ثلاث لعقات، وهو يعلم أن أصل ملح مصر طيب، ثم قام، وقال: بارك الله لكم، واستحييت أن أقوم. قال: فتكلم أشهب، وعظم عليه ما فعل. قال له ابن وهب: دعه دعه، وكنا نمشي بالنهار، ونلقي المسائل، فإذا كان في الليل، قام كل واحد إلى حزبه من الصلاة. فيقول ابن وهب لأصحابه: ما ترون إلى هذا المغربي يلقي المسائل بالنهار، وهو لا يدرس بالليل? فيقول له ابن القاسم: هو نور يجعله الله في القلوب.
قال: ونزلنا بمسجد، ببعض مدائن الحجاز، فنمنا، فانتبه ابن القاسم مذعورًا، فقال لي: يا أبا سعيد! رأيت الساعة كأن رجلًا دخل علينا من باب هذا المسجد، ومعه طبق مغطى، وفيه رأس خنزير، أسأل الله خيرها. فما لبثنا حتى أقبل رجل معه طبق مغطى بمنديل، وفيه رطب من تمر تلك القرية، فجعله بين يدي ابن القاسم، وقال: كل قال: ما إلى ذلك من سبيل. قال: فأعطه أصحابك. قال: أنا لا آكله، أعطيه غيري! فانصرف الرجل، فقال لي ابن القاسم: هذا تأويل الرؤيا. وكان يقال: إن تلك القرية، أكثرها وقف غصبت.