والله لقد رحت في ساعة منكرة فقال:"أما بلغك ما قال صاحبك ابن أبي"؟. فقال: يا رسول الله فأنت والله العزيز وهو الذليل. ثم قال: يا رسول الله ارفق به، فوالله لقد جاء الله بك وإنا لننظم له الخرز لنتوجه فإنه ليرى أن قد استلبته ملكا فسار رسول الله ﷺ بالناس بقية يومه وليلته، حتى أصبحوا وحتى اشتد الضحى. ثم نزل بالناس بقية يومه وليلته، حتى أصبحوا وحتى اشتد الضحى. ثم نزل بالناس ليشغلهم عما كان من الحديث، فلم يأمن الناس أن وجدوا مس الأرض فناموا. ونزلت سورة المنافقين.
وقال ابن عيينة: حدثنا عمرو بن دينار قال: سمعت جابرا يقول: كنا مع النبي ﷺ في غزاة، فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار. فقال الأنصاري: يا للأنصار. وقال المهاجري: يا للمهاجرين. فقال رسول الله ﷺ:"ما بال دعوى الجاهلية؟ دعوها فإنها منتنة". فقال عبد الله بن أبي بن سلول: أو قد فعلوها؟ والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. قال: وكانت الأنصار بالمدينة أكثر من المهاجرين حين قدم النبي ﷺ ثم كثر المهاجرون بعد ذلك، فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي ﷺ:"دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه". متفق عليه (١).
وقال عبيد الله بن موسى: أخبرنا إسرائيل، عن السدي عن أبي سعيد الأزدي، قال: حدثنا زيد بن أرقم قال: غزونا مع رسول الله ﷺ، وكان معنا ناس من الأعراب فكنا نبتدر الماء وكانت الأعراب يسبقوننا، فيسبق الأعرابي أصحابه فيملأ الحوض ويجعل حوله حجارة ويجعل النطع عليه حتى يجيء أصحابه، فأتى أنصاري فأرخى زمام ناقته لتشرب فمنعه فانتزع حجرا فغاض الماء، فرفع الأعرابي خشبة فضرب بها رأس الأنصاري فشجه، فأتى عبد الله بن أبي فأخبره فغضب، وقال: لا تنفقوا على من عند رسول الله ﷺ حتى ينفضوا من حوله؛ يعني الأعراب وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منه الأذل. قال زيد: فسمعته فأخبرت عمي، فانطلق فأخبر رسول الله ﷺ، فحلف وجحد، فصدقه رسول الله ﷺ وكذبني فجاء إليَّ عمي فقال: ما أردت أن مقتك رسول الله ﷺ وكذبك المسلمون. فوقع عليَّ من الغم ما لم يقع على أحد قط فبينا أن أسير مع رسول الله ﷺ وقد خفقت برأسي من الهم، إذ أتاني رسول الله ﷺ فعرك أذني وضحك في وجهي، فما كان يسرني أن لي بها الخلد أو الدنيا. ثم إن أبا بكر لحقني فقال: ما قال لك رسول الله ﷺ؟
(١) صحيح: أخرجه الحميدي "١٢٣٩"، والطيالسي "١٧٠٨"، والبخاري "٤٩٠٥" و"٤٩٠٧"، ومسلم "٢٥٨٤" "٦٣"، والترمذي "٣٣١٥"، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" "٩٧٧"، وأبو يعلى "١٨٢٤"، والبيهقي في "دلائل النبوة" "٤/ ٥٣ - ٥٤" من طرق عن سفيان بن عيينة، به.