فلما رحل المأمون أمر بحمل أبي مسهر إليه، فامتحنه بالرقة في القرآن.
قلت: قد كان المأمون بأسًا وبلاء على الإسلام.
أبو الدحداح أحمد بن محمد: حدثنا الحسن بن حامد النيسابوري حدثني أبو محمد سمعت أصبغ، وكان مع أبي مسهر هو وابن أبي النجا، خرجا معه يخدمانه فحدثني أصبغ: أن أبا مسهر دخل على المأمون بالرقة، وقد ضرب رقبة رجل، وهو مطروح فأوقف أبا مسهر في الحال فامتحنه فلم يجبه فأمر به فوضع في النطع ليضرب عنقه فأجاب إلى خلق القرآن، فأخرج من النطع فرجع عن قوله فأعيد إلى النطع فأجاب فأمر به أن يوجه إلى العراق، ولم يثق بقوله فما حذر، وأقام عند إسحاق بن إبراهيم يعني: نائب بغداد أيامًا لا تبلغ مائة يوم، ومات ﵀.
قال الحسن بن حامد: فحدثني عبد الرحمن عن رجل يكنى أبا بكر: أن أبا مسهر أقيم ببغداد ليقول قولا يبرئ فيه نفسه من المحنة، ويوقى المكروه فبلغني أنه قال في ذلك الموقف: جزى الله أمير المؤمنين خيرًا علمنا ما لم نكن نعلم، وعلم علمًا ما علمه من كان قبله وقال: قل: القرآن مخلوق وإلا ضربت عنقك، ألا فهو مخلوق. قال: فأرجو أن يكون له في هذه المقالة نجاة.
الصولي: حدثنا عون بن محمد عن أبيه قال: قال إسحاق بن إبراهيم: لما صار المأمون إلى دمشق ذكروا له أبا مسهر، ووصفوه بالعلم والفقه فأحضره فقال: ما تقول في القرآن؟ قال: كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّه﴾ [التوبة: ٥] فقال: أمخلوق هو، أو غير مخلوق؟ قال: ما يقول أمير المؤمنين؟ قال: مخلوق قال: يخبر عن رسول الله ﷺ أو عن الصحابة، أو التابعين؟ قال: بالنظر واحتج عليه فقال: يا أمير المؤمنين! نحن مع الجمهور الأعظم أقول بقولهم والقرآن كلام الله غير مخلوق قال: يا شيخ! أخبرني عن النبي ﷺ هل اختتن؟ قال: ما سمعت في هذا شيئًا. قال: فأخبرني عنه أكان يشهد إذا زوج، أو تزوج؟ قال: ولا أدري قال: اخرج قبحك الله وقبح من قلدك دينه وجعلك قدوة.
قال أبو حاتم الرازي: ما رأيت أحدًا أعظم قدرًا من أبي مسهر كنت أراه إذا خرج إلى المسجد اصطف الناس يسلمون عليه، ويقبلون يده.
قال أحمد بن علي بن الحسن البصري: سمعت أبا داود السجستاني وقيل له: إن أبا مسهر كان متكبرًا في نفسه فقال: كان من ثقات الناس رحم الله أبا مسهر، لقد كان من