للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الناس تبرضا (١)، فلم يلبثه الناس أن نزحوه، فشكو إلى رسول الله العطش. فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، قال: فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه.

فبينا هم كذلك إذ جاءه بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة، وكانوا عيبة نصح (٢) لرسول الله من أهل تهامة. فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية، معهم العوذ، المطافيل (٣)، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت. قال رسول الله : "إنا لم نجئ لقتال أحد ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاؤوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس، وإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جموا (٤)، وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي (٥) أو لينفذن الله أمره". فقال بديل: سأبلغهم ما تقول. فانطلق حتى أتى قريشا، فقال: إنا قد جئناكم من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولا، فإن شئتم نعرضه عليكم فعلنا؛ فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا في أن تحدثنا عنه بشيء، وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته. قال: سمعته يقول كذا كذا. فحدثهم بما قال النبي .

فقال عروة بن مسعود الثقفي، فقال: أي قوم ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى. قال: ألست بالولد؟ قالوا: بلى. قال: هل تتهموني؟ قالوا: لا. قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ فلما بلحوا (٦) عليه جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: بلي. قال: فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد، فاقبلوها ودعوني آته. قالوا: ائته فأتاه فجعل يكلم النبي ، فقال نحوا من قوله لبديل. فقال: أي محمد أرأيت إن استأصلت قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك؟ وإن تكن الأخرى فوالله إني لأرى وجوها وأرى أوباشا (٧) من


(١) يتبرضه الناس تبرضا": أي يأخذونه قليلا قليلا.
(٢) عيبة نصح: عيبه الرجل: موضع سره، أي أنهم موضع النصح له والأمانة على سره.
(٣) العوذ المطافيل: العوذ: جمع عائذ، وهى الناقة ذات اللبن. والمطافيل: الأمهات اللاتي معها أطفالها.
(٤) جموا: استراحوا. وهو بفتح الجيم وتشديد الميم المضمومة: أي قووا.
(٥) سالفتي: السالفة: صفحة العنق، وكنى بذلك عن القتل؛ لأن القتيل تنفرد مقدمة عنقه. وقال الداودي المراد الموت: أي حتى أموت وأبقى منفردا في قبري.
(٦) بلحوا: أي امتنعوا من الإجابة. وبلح الغريم إذا امتنع من أداء ما عليه.
(٧) أوباشا: أي أخلاطا من السفلة. ووقع عند البخاري: "وإني لأرى أشوابا من الناس والأشواب: الأخلاط من أنواع شتى. والأوباش أخص من الأشواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>