للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رأى ربه في صورة كذا. فهذا خبر منكر جدا، أحسن النسائي حيث يقول: ومن مروان بن عثمان حتى يصدق على الله?!

وهذا لم ينفرد به نعيم، فقد رواه: أحمد بن صالح المصري الحافظ، وأحمد بن عيسى التستري، وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب، عن ابن وهب. قال أبو زرعة النصري: رجاله معروفون.

قلت: بلا ريب قد حدث به: ابن وهب، وشيخه، وابن أبي هلال، وهم معروفون عدول، فأما مروان، وما أدراك ما مروان؟ فهو حفيد أبي سعيد بن المعلى الأنصاري، وشيخه هو عمارة بن عامر بن عمرو بن حزم الأنصاري.

ولئن جوزنا أن النبي قاله، فهو أدرى بما قال، ولرؤياه في المنام تعبير لم يذكره -عليه الصلاة السلام- ولا نحن نحسن أن نعبره، فأما أن نحمله على ظاهره الحسي فمعاذ الله أن نعتقد الخوض في ذلك بحيث إن بعض الفضلاء قال: تصحف الحديث. وإنما هو رأى رئيَّه بياء مشددة. وقد قال علي : حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون. وقد صح: أن أبا هريرة كتم حديثًا كثيرًا مما لا يحتاجه المسلم في دينه وكان يقول: لو بثثته فيكم لقطع هذا البلعوم (١). وليس هذا من باب كتمان العلم في شيء، فإن العلم الواجب يجب بثه، ونشره، ويجب على الأمة حفظه، والعلم الذي في فضائل الأعمال مما يصح إسناده يتعين نقله، ويتأكد نشره، وينبغي للأمة نقله، والعلم المباح لا يجب بثه، ولا ينبغي أن يدخل فيه إلا خواص العلماء.

والعلم الذي يحرم تعلمه ونشره: علم الأوائل، وإلهيات الفلاسفة، وبعض رياضتهم بل أكثره وعلم السحر، والسيمياء، والكيمياء، والشعبذة، والحيل، ونشر الأحاديث الموضوعة، وكثير من القصص الباطلة أو المنكرة، وسيرة البطال المختلقة، وأمثال ذلك، ورسائل إخوان الصفا، وشعر يعرض فيه إلى الجناب النبوي، فالعلوم الباطلة كثيرة جدًّا، فلتحذر ومن ابتلي بالنظر فيها للفرحة والمعرفة من الأذكياء، فليقلل من ذلك وليطالعه وحده وليستغفر الله تعالى وليلتجئ إلى التوحيد والدعاء بالعافية في الدين، وكذلك أحاديث كثيرة مكذوبة وردت في الصفات لا يحل بثها إلا التحذير من اعتقادها، وإن أمكن إعدامها، فحسن اللهم، فاحفظ علينا إيماننا، ولا قوة إلا بالله.


(١) صحيح: أخرجه البخاري "١٢٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>