يقرأ كتابًا صنفه، فقال: حدثنا ابن المبارك عن ابن عون، وذكر أحاديث فقلت: ليس ذا عن ابن المبارك، فغضب، وقال: ترد علي? قلت: إي والله، أريد زينك. فأبى أن يرجع فلما رأيته لا يرجع، قلت: لا والله ما سمعت هذه من ابن المبارك، ولا سمعها هو من ابن عون قط. فغضب وغضب من كان عنده، وقام، فدخل، فأخرج صحائف، فجعل يقول: وهي بيده أين الذين يزعمون أن يحيى بن معين ليس بأمير المؤمنين في الحديث? نعم، يا أبا زكريا غلطت، وإنما روى هذه الأحاديث غير ابن المبارك عن ابن عون.
قال الحسين بن حبان: قال ابن معين: دفع إلي ابن وهب كتابًا عن معاوية بن صالح "فيه" خمسمائة حديث أو أكثر فانتقيت منها شرارها لم يكن لي يومئذ معرفة. قلت: أسمعتها من أحد قبل ابن وهب? قال: لا. قلت: كذا كل من يكون مبتدئًا لا يحسن الانتخاب. فعلنا نحو هذا وندمنا بعد.
قال محمد بن جرير الطبري: خرج ابن معين حاجًّا وكان أكولا، فحدثني أبو العباس أحمد بن شاه: أنه كان في رفقته، فلما قدموا فيد، أهدي إلى يحيى فالوذج لم ينضج، فقلنا له: يا أبا زكريا لا تأكله، فإنا نخاف عليك. فلم يعبأ بكلامنا وأكله فما استقر في معدته حتى شكا وجع بطنه وانسهل إلى أن وصلنا إلى المدينة ولا نهوض به. فتفاوضنا في أمره ولم يكن لنا سبيل إلى المقام عليه لأجل الحج ولم ندر ما نعمل في أمره. فعزم بعضنا على القيام عليه وترك الحج. وبتنا فلم يصبح حتى وصى ومات فغسلناه ودفناه.
قال أبو زرعة الرازي: لم ينتفع بيحيى؛ لأنه كان يتكلم في الناس. وقد رأيت حكاية شاذة قالها أبو عبد الرحمن السلمي عن الدارقطني أن يحيى بن معين مات قبل أبيه بعشرة أشهر.
قال مهيب بن سليم البخاري: حدثنا محمد بن يوسف البخاري الحافظ قال: كنا في الحج مع يحيى بن معين، فدخلنا المدينة ليلة الجمعة، ومات من ليلته، فلما أصبحنا تسامع الناس بقدومه وبموته، فاجتمع العامة، وجاءت بنو هاشم، فقالوا نخرج له الأعواد التي غسل عليها رسول الله ﷺ فكره العامة ذلك، وكثر الكلام، فقالت بنو هاشم نحن أولى بالنبي ﷺ وهو أهل أن يغسل عليها، فغسل عليها، ودفن يوم الجمعة في ذي القعدة. قال مهيب: فيها ولدت يعني سنة ثلاث وثلاثين ومائتين.
قال عباس الدوري مات قبل أن يحج عامئذ، وصلى عليه والي المدينة، وكلم الحزامي الوالي، فأخرجوا له سرير النبي ﷺ فحمل عليه.