ثم وجه القاضي دعواه، وحسنها، ونمقها ولكن ما يعجز كل واحد من حنفي، وشافعي، وحنبلي، وداودي عن ادعاء مثل ذلك لمتبوعه، بل ذلك لسان حاله، وإن لم يَفُهْ به.
ثم قال القاضي عياض: وعندنا -ولله الحمد- لكل إمام من المذكورين مناقب تقضي له بالإمامة.
فعقب الذهبي بقوله: قلت: ولكن مالكا هذا الإمام الذي هو النجم الهادي قد أنصف، وقال قولا فصلا، حيث يقول: كل أحد يؤخذ من قوله، ويترك إلا صاحب هذا القبر ﷺ.
ولا ريب أن كل من أنس من نفسه فقها، وسعة علم، وحسن قصد، فلا يسعه التزام بمذهب واحد في كل أقواله، لأنه قد تبرهن له مذهب الغير في مسائل ولاح له الدليل، وقامت عليه الحجة، فلا يقلد فيها إمامه، بل يعمل بما تبرهن ويقل الإمام الآخر بالبرهان، لا بالتشهي والغرض. لكنه لا يفتي العامة إلا بمذهب إمامه، أو ليصمت فيما خفي عليه دليله.
قال الشافعي: العلم يدور على ثلاثة: مالك، والليث، وابن عيينة.
فعقب الذهبي بقوله: قلت: بل وعلى سبعة معهم وهم: الأوزاعي، والثوري، ومعمر، وأبو حنيفة، وشعبة، والحمادان.
وقال في "السير""١٠/ ٢٧٣ - ٢٧٤":
للعلماء قولان في الاعتداد بخلاف داود بن علي الظاهري، فمن اعتد بخلافهم قال: ما اعتدادنا بخلافهم لأن مفرداتهم حجة، بل لتحكى في الجملة، وبعضها سائغ، وبعضها قوي، وبعضها ساقط، ثم ما تفردوا به هو شيء من قبيل مخالفة الإجماع الظني، وتندر مخالفتهم لإجماع قطعي، ومن أهدرهم، ولم يعتد بهم، لم يعدهم في مسائلهم المفردة خارجين بها من الدين، ولا كفرهم بها، بل يقول: هؤلاء في خير العوام، أو هم كالشيعة في الفروع، ولا نلتفت إلى أقوالهم، ولا ننصب معهم الخلاف، ولا يعتنى بتحصيل كتبهم، ولا ندل مستفتيا من العامة عليهم، وإذا تظاهروا بمسألة معلومة البطلان، كمسح الرجلين أدبناهم، وعزرناهم، وألزمناهم بالغسل جزما.
قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني: قال الجمهور: إنهم يعني نفاة القياس -لا يبلغون رتبة الاجتهاد، ولا يجوز تقليدهم القضاء.