للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فأحببتها وأبغضتني حتى ضجرت، فقلت لها: أنت طالق ثلاثا، لا تخاطبيني بشيء إلا قلت لك مثله، فكم أحتملك؟! فقالت في الحال: أنت طالق ثلاثا فأبلست فدللت على محمد بن جرير، فقال لي: أقم معها بعد أن تقول لها: أنت طالق ثلاثا إن طلقتك. فاستحسن هذا الجواب وذكره شيخ الحنابلة ابن عقيل وقال: وله جواب آخر: أن يقول كقولها سواء: أنتَ طالق ثلاثا -بفتح التاء- فلا يحنث.

وقال أبو الفرج ابن الجوزي: وما كان يلزمها أن يقول لها ذلك على الفور، فله التمادي إلى قبل الموت.

فكيف عقب العلامة الذهبي على هذه الواقعة؟! لقد عقب بجواب ينبئ عن حذقه ورسوخ قدمه في علم الفقه فقال -رحمه الله تعالى- "١١/ ١٧٢":

قلت: ولو قال: أنت طالق ثلاثا، وقصد الاستفهام أو عني أنها طالق من وثاق، أو عني الطلق لم يقع طلاق في باطن الأمر.

وله جواب آخر على قاعدة مراعاة سبب اليمين ونية الحالف، فما كان عليه أن يقول لها ما قالته، إذ من المعلوم بقرينة الحال استثناء ذلك قطعا، لأنه ما قصد إلا أنها إذا قالت له ما يؤذيه أن يؤذيها بمثله، ولو جاوبها بالطلاق لسرت هي، ولتأذى هو، كما استثنى من عموم قوله تعالى: ﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [النمل: ٢٣]، بقرينة الحال أنها لم تؤت لحية ولا إحليلا. ومن المعلوم استثناؤه بالضرورة التي لم يقصدها الحالف قط لو حلف: لا تقولي لي شيئا إلا قلت لك مثله، أنها لو كفرت وسبت الأنبياء فلم يجاوبها بمثل ذلك لأحسن. ثم يقول طائفة من الفقهاء: إنه لم يحنث إلا أن يكون -والعياذ بالله- قصد دخول ذلك في يمينه.

وأما على مذهب داود بن علي الظاهري، وابن حزم، والشيعة، وغيرهم، فلا شيء عليه، ورأوا الحلف والأيمان بالطلاق من أيمان اللغو، وأن اليمين لا تنعقد إلا بالله.

وذهب إمام في زماننا إلى من حلف على حض أو منع بالطلاق، أو العتاق، أو الحج، ونحو ذلك فكفارته كفارة يمين، ولا طلاق عليه.

هكذا أجاب العلامة الحاذق على هذه الواقعة المشكلة فرحم الله إمامنا العلامة الحافظ الذهبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>