ربما آل الأمر بالمعروف بصاحبه إلى الغضب والحدة، فيقع في الهجران المحرم، وربما أفضى إلى التكفير والسعي في الدم، وقد كان أبو عبد الله بن مندة وافر الجاه والحرمة إلى الغاية ببلده، وشغب على أحمد بن عبد الله الحافظ، بحيث أن أحمد اختفى.
وقال في "السير""١٥/ ١٦٧ - ١٦٨":
الإمام إذا كان له عقل جيد، ودين متين صلح به أمر الممالك، فإن ضعف عقله، وحسنت ديانته حمله الدين على مشاورة أهل الحزم، فتسددت أموره، ومشت الأحوال، وإن قل دينه، ونبل رأيه، تعبت البلاد والعباد، وقد يحمله نبل رأيه على إصلاح ملكه ورعيته للدنيا، لا للتقوى، فإن نقص رأيه، وقل دينه وعقله، كثر الفساد، وضاعت الرعية، وتعبوا به، إلا أنه يكون فيه شجاعة، وله سطوة وهيبة في النفوس، فينجبر الحال، فإن كان جبانا، قليل الدين، عديم الرأي، كثير العسف، فقد تعرض لبلاء عاجل، وربما عزل وسجن إن لم يقتل، وذهبت عنه الدنيا، وأحاطت به خطاياه، وندم -والله- حيث لا يغني الندم.
ونحن آيسون اليوم من وجود إمام راشد من سائر الوجوه! فإن يسر الله للأئمة بإمام فيه كثرة محاسن وفيه مساوئ قليلة، فمن لنا به، اللهم فأصلح الراعي والرعية، وارحم عبادك ووفقهم، وأيد سلطانهم وأعنه بتوفيقك. هكذا يرسم العلامة الذهبي سياسة الحاكم الراشد الذي يتقي الله، فينصلح به حال البلاد والعباد.
وقال في "السير""٦/ ٥٧٩":
قال أبو أسامة: سمعت مسعر بن كدام يقول: إن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله، وعن الصلاة فهل أنتم منتهون؟
فعقب الذهبي عليه بقوله: قلت: هذه مسألة مختلف فيها: هل طلب العلم أفضل أو صلاة النافلة والتلاوة والذكر؟ فأما من كان مخلصا لله في طلب العلم، وذهنه جيد، فالعلم أولى، ولكن مع حظ من صلاة وتعبد، فإن رأيته مجدا في طلب لا حظ له في القربات، فهذا كسلان مهين، وليس هو بصادق في حسن نيته، وأما من كان طلب الحديث والفقه غية ومحبة نفسانية، فالعبادة في حقه أفضل، بل ما بينهما أفعل تفضيل، وهذا تقسيم في الجملة، فقل -والله- من رأيته مخلصا في طلب العلم. دعنا من هذا كله، فليس طلب الحديث اليوم على