ومطرف خز، فلبسهما، ثم تحرك في المطرف، فانشق، فلفه، وقال: اذهبوا به ليكون كفني، فقلت: إنا لله، انقضت والله المدة. وسكر المتوكل سكرًا شديدًا. ومضى من الليل إذ أقبل باغر في عشرة متلثمين تبرق أسيافهم، فهجموا علينا، وقصدوا المتوكل، وصعد باغر وآخر إلى السرير، فصاح الفتح: ويلكم مولاكم. وتهارب الغلمان، والجلساء، والندماء، وبقي الفتح، فما رأيت أحدًا أقوى نفسًا منه بقي يمانعهم، فسمعت صيحة المتوكل إذ ضربه باغر بالسيف المذكور على عاتقه، فقده إلى خاصرته، وبعج آخر الفتح بسيفه، فأخرجه من ظهره، وهو صابر لا يزول، ثم طرح نفسه على المتوكل، فماتا فلفا، في بساط ثم دفنا معًا، وكان بغا الصغير استوحش من المتوكل لكلام، وكان المنتصر يتألف الأتراك لا سيما من يبعده أبوه.
قال المسعودي: ونقل في مقتله غير ذلك. قال: وقد أنفق المتوكل، فيما قيل على الجوسق، والجعفري والهاروني أكثر من مائتي ألف ألف درهم. ويقال: إنه كان له أربعة آلاف سرية وطئ الجميع. وقتل وفي بيت المال أربعة آلاف ألف دينار، وسبعة آلاف ألف درهم، ولا يعلم أحد من رءوس الجد، والهزل إلا وقد حظي بدولته، واستغنى، وقد أجاز الحسين بن الضحاك الخليع على أربعة أبيات أربعة آلاف دينار. وفيه يقول يزيد بن محمد المهلبي:
جاءت منيته والعين هاجعة … هلا أتته المنايا والقنا قصد
خليفة لم ينل من ماله أحد … ولم يصغ مثله روح ولا جسد
قال علي بن الجهم: أهدى ابن طاهر إلى المتوكل وصائف عدة، فيها محبوبة، وكانت شاعرة عالمة بصنوف من العلم عوادة، فحلت من المتوكل محلًا يفوت الوصف، فلما قتل ضمت إلى بغا الكبير، فدخلت عليه يومًا للمنادمة، فأمر بهتك الستر، وأمر القيان، فأقبلن يرفلن في الحلي والحلل، وأقبلت هي في ثياب بيض، فجلست منكسرة، فقال: غني. فاعتلت، فأقسم عليها، وأمر بالعود فوضع في حجرها، فغنت ارتجالا:
أي عيش يلذ لي … لا أرى فيه جعفرا
ملك قد رأيته … في نجيع معفرا
كل من كان ذا خبا … ل وسقم فقد برا
غير محبوبة التي … لو ترى الموت يشترى
لاشترته بما حوتـ … ـه يداها لتقبرا
فغضب بغا، وأمر بسحبها، وكان آخر العهد بها.
وبويع المنتصر من الغد بالقصر الجعفري يوم خامس شوال سنة سبع وأربعين ومائتين، وقيل: لم يصح عنه النصب، وقد بكى من وعظ علي بن محمد العسكري العلوي، وأعطاه أربعة آلاف دينار، فالله أعلم.
للمتوكل من البنين: المنتصر محمد، وموسى، وأمهما حبشية، وأبو عبد الله المعتز، وإسماعيل، وأمهما قبيحة، والمؤيد إبراهيم، وأحمد وهو المعتمد، وأبو الحميد، وأبو بكر، وآخرون.
وقد ماتت أمه شجاع قبله بسنة، وخلفت أموالا لا تحصر، من ذلك خمسة آلاف ألف دينار من العين وحده.