للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولما مات المنتصر، استوزر الأمراء وابن أبي الخصيب، فقال لهم أوتامش: متى وليتم أحدًا من، ولد المتوكل، لا يبقي منا أحدًا، فقالوا: ما لها إلا أحمد بن المفتصد، هو ابن أستاذنا. فقال: محمد بن موسى المنجم سرًا: أتولون رجلا يرى أنه أحق بالإمامة من المتوكل اصطنعوا من يعرف لكم ذاك. فأبوا، وبايعوه، واستقل أيامًا، فبينا هو قد دخل مجلس الخلافة، إذا جماعة من الغوغاء، والشاكرية (١)، والجند نحو الألف في السلاح، وصاحوا: المعتز يا منصور. فنشبت الحرب وقتل جماعة، ومضى المستعين إلى القصر الهاروني، فبات به، ونهبت الغوغاء الدار وعدة دور، وحازوا سلاحًا كثيرًا، فزجرهم بغا الصغير عن دار الخلافة، وكثرت القتلى، فبذل المستعين الخزائن، فسكنوا، وبويع له ببغداد، وأميرها محمد بن عبد الله بن طاهر.

ثم غضب المستعين بإشارة أوتامش الوزير على أحمد بن الخصيب، وأخذ أمواله، ونفاه إلى جزيرة أقريطش (٢).

ومات طاهر بن عبد الله متولي خراسان، فولى المستعين ابنه محمد بن طاهر موضعه، وولى العراق والحرمين أخاه محمد بن عبد الله.

ومات بغا الكبير، فولى مكانه ولده موسى بن بغا. وسجن المعتز والمؤيد، وضيق عليهما، واشترى أملاكهما كرهًا. وقرر لهما في العام نيفًا وعشرين ألف دينار ليس إلا.

وعقد لأوتامش مع الوزارة الإمرة على مصر وسائر المغرب. ونفى عبيد الله بن يحيى بن خاقان إلى برقة. وأنفق ألفي ألف دينار في الجند، وقتل علي بن يحيى الأرمني، وعمر الأقطع، مجاهدين ببلاد الروم. وكثرت الأتراك ببغداد، وتمكنوا، وعسفوا، وآذوا العامة، فثارت الشاكرية والجند، وأحرقوا الجسر، وانتهبوا الدواوين، وهاج مثلهم بسامراء، فركب بغا وأوتامش ووضعوا السيف، وقتلوا عدة، وتناخت العامة، فقتلوا طائفة من الأتراك، وعظم الخطب، وخرج وصيف، فأمر بإحراق الأسواق، ثم بعد يسير قتل أوتامش، ووزر ابن يزداذ، وعزل، عن القضاء جعفر الهاشمي.

ودخلت سنة خمسين ومائتين، فخرج بطبرستان الحسن بن زيد الحسني، وعظم سلطانه، وحكم على عدة مدائن، وانضم إليه كل مريب، وهزم جيش ابن طاهر مرتين، ووصل إلى همذان، فجهز المستعين له جيشًا.


(١) الشاكرية: الأجراء والمستخدمون، وهي كلمة فارسية معربة.
(٢) جزيرة أقريطش: اسم جزيرة في البحر الأبيض المتوسط كما قال ياقوت الحموي في "معجم البلدان".

<<  <  ج: ص:  >  >>