وفيها: عقد المستعين لابنه عباس على العراق والحجاز.
وفي سنة إحدى وخمسين ومائتين ظهر: بقزوين الحسين بن أحمد الحسيني، فتملكها، وكان هو وأحمد بن عيسى الزيدي قد اتفقا، وقتلا خلقًا بالري، وعاثا فأسر أحدهما، وقتل الآخر.
وخرج بالحجاز إسماعيل بن يوسف الحسني، وتبعه الأعراب، فعاث، وأفسد موسم الحاج. وقتل من الوفد أزيد من ألف، ثم قصمه الله بالطاعون هو وكثير من جنده.
وهاجت الفتنة الكبرى بالعراق، فتنكر الترك للمستعين، فخاف، وتحول إلى بغداد، فنزل بالجانب الغربي على نائبه ابن طاهر، فاتفق الأتراك بسامراء، وبعثوا يعتذرون، ويسألونه الرجوع، فأبى عليهم، فغضبوا، وقصدوا السجن، وأخرجوا المعتز بالله، وبايعوا له، وخلعوا المستعين، وبنوا أمرهم على شبهة، وهي أن المتوكل عقد للمعتز بعد المنتصر، فجهز المعتز أخاه أبا أحمد لمحاربة المستعين، وتهيأ المستعين، وابن طاهر للحصار، وإصلاح السور، وتجرد أهل بغداد للقتل، ونصبت المجانق، ووقع الجد، ودام البلاء أشهرًا، وكثرت القتلى، واشتد القحط، وتمت بينهما عدة وقعات بحيث إنه قتل في نوبة من جند المعتز ألفان إلى أن ضعف أهل بغداد وذلوا وجاعوا وتعثروا، فما أصبرهم على الشر والفتن! وقوي أمر المعتزية، فكاتب ابن طاهر في السر المعتز، وانحل نظام المستعين، وإنما كان قوام أمره بابن طاهر، وكاشفه الناس، فتحول إلى الرصافة ثم سعى الناس في الصلح، وخلع المستعين، فأقام في ذلك إسماعيل القاضي وغيره بشروط وثيقة، فأذعن بخلع نفسه في أول سنة اثنتين وخمسين، وأشهد عليه، فأحدر بعد خلعه تحت الحوطة إلى واسط، فاعتقل بها تسعة أشهر، ثم حول إلى سامراء، فقتل بقادسية سامراء في ثالث شوال من السنة. وقيل: قتل ليومين بقيا من رمضان، وله إحدى وثلاثون سنة وأياما. فيقال: بعث المعتز إليه سعيدًا الحاجب، فلما رآه المستعين تيقن التلف، وبكى، وقال: ذهبت نفسي. فأخذ سعيد يقنعه بالسوط، ثم أضجعه، وقعد على صدره، وذبحه -فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقال الصولي: بعث المعتز أحمد بن طولون إلى واسط لقتل المستعين، فقال: والله لا أقتل أولاد الخلفاء. فبعث سعيدًا الحاجب، فما متع الله المعتز، بل عوجل بالخلع والقتل جزاء وفاقًا.