للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صاحب الحاجة من أهل الحديث فيناوله ما بين العشرين إلى الثلاثين، وأقل وأكثر من غير أن يشعر بذلك أحد، وكان لا يفارقه كيسه، ورأيته ناول رجلًا مرارًا صرة فيها ثلاثمائة درهم، وذلك أن الرجل أخبرني بعدد ما كان فيها من بعد فأراد أن يدعو فقال له أبو عبد الله: ارفق واشتغل بحديث آخر كيلا يعلم بذلك أحد.

قال: وكنت اشتريت منزلًا بتسعمائة وعشرين درهمًا فقال: لي إليك حاجة تقضيها? قلت: نعم، ونعمى عين قال: ينبغي أن تصير إلى نوح بن أبي شداد الصيرفي وتأخذ منه ألف درهم، وتحمله إلي ففعلت فقال لي: خذه إليك فاصرفه في ثمن المنزل فقلت: قد قبلته منك، وشكرته وأقبلنا على الكتابة وكنا في تصنيف "الجامع" فلما كان بعد ساعة قلت: عرضت لي حاجة لا أجترئ رفعها إليك فظن أني طمعت في الزيادة فقال: لا تحتشمني، وأخبرني بما تحتاج فإني أخاف أن أكون مأخوذًا بسببك قلت له: كيف? قال: لأن النبي آخى بين أصحابه فذكر حديث سعد وعبد الرحمن فقلت له: قد جعلتك في حل من جميع ما تقول، ووهبت لك المال الذي عرضته علي عنيت المناصفة، وذلك أنه قال: لي جوار وامرأة وأنت عزب فالذي يجب علي أن أناصفك لنستوي في المال، وغيره وأربح عليك في ذلك فقلت له: قد فعلت رحمك الله أكثر من ذلك إذ أنزلتني من نفسك ما لم تنزل أحدًا، وحللت منك محل الولد ثم حفظ علي حديثي الأول وقال: ما حاجتك? قلت: تقضيها? قال: نعم وأسر بذلك قلت: هذه الألف تأمر بقبوله، واصرفه في بعض ما تحتاج إليه فقبله وذلك أنه ضمن لي قضاء حاجتي ثم جلسنا بعد ذلك بيومين لتصنيف "الجامع" وكتبنا منه ذلك اليوم شيئًا كثيرًا إلى الظهر ثم صلينا الظهر وأقبلنا على الكتابة من غير أن نكون أكلنا شيئًا فرآني لما كان قرب العصر شبه القلق المستوحش فتوهم في ملالًا وإنما كان بي الحصر غير أني لم أكن أقدر على القيام، وكنت أتلوى اهتمامًا بالحصر فدخل أبو عبد الله المنزل وأخرج إلي كاغدة فيها ثلاثمائة درهم وقال: أما إذ لم تقبل ثمن المنزل فينبغي أن تصرف هذا في بعض حوائجك فجهدني فلم أقبل ثم كان بعد أيام كتبنا إلى الظهر أيضًا فناولني عشرين درهما فقال: ينبغي أن تصرف هذه في شراء الخضر، ونحو ذلك فاشتريت بها ما كنت أعلم أنه يلائمه، وبعثت به إليه، وأتيت فقال لي: بيض الله وجهك ليس فيك حيلة فلا ينبغي لنا أن نعني أنفسنا فقلت له: إنك قد جمعت خير الدنيا والآخرة فأي رجل يبر خادمه بمثل ما تبرني إن كنت لا أعرف هذا فلست أعرف أكثر منه.

سمعت عبد الله بن محمد الصارفي يقول: كنت عند أبي عبد الله في منزله، فجاءته

<<  <  ج: ص:  >  >>