وقال الوليد بن مسلم: أخبرني من سمع عمرو بن دينار، عن ابن عمر، قال: كانت خزاعة حلف رسول الله ﷺ، ونفاثة حلف أبي سفيان. فعدت نفاثة على خزاعة، فأمدتها قريش. فلم يغز رسول الله ﷺ قريشا حتى بعث إليهم ضمرة، فخيرهم بين إحدى ثلاث: أن يدوا قتلى خزاعة، وبين أن يبرأ من حلف نفاثة، أو ينبذ إليهم على سواء. قالوا: ننبذ على سواء. فلما سار ندمت قريش، وأرسلت أبا سفيان يسأل تجديد العهد.
وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: كانت بين نفاثة من بني الديل، وبين كعب، حرب. فأعانت قريش وبنو كنانة بني نفاثة على بني كعب. فنكثوا العهد إلا بنو مدلج، فإنهم وفوا بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلن. فذكر القصة، وشعر عمرو بن سالم. فقال رسول الله ﷺ:"لا نصرت إن لم أنصر بني كعب مما أنصر منه نفسي". فأنشأت سحابة، فقال رسول الله ﷺ:"إن هذه السحابة تستهل بنصر بني كعب، أبصروا أبا سفيان فإنه قادم عليكم يلتمس تجديد العهد والزيادة في المدة".
فأقبل أبو سفيان، فقال: يا محمد جدد العهد وزدنا في المدة. فقال: رسول الله ﷺ: "أو لذلك قدمت؟ هل كان من حدث قبلكم"؟ قال: معاذ الله. قال رسول الله ﷺ:"فنحن على عهدنا وصلحنا". ثم ذكر ذهابه إلى أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وأنه قال له: أنت أكبر قريش فأجر بينها. قال: صدفت إني كذلك فصاح: ألا إني قد أجرت بين الناس، وما أظن أن يرد جواري ولا يخفر بي، قال: أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة؟ ثم خرج، فقال النبي ﷺ حين أدبر:"اللهم سد على أبصارهم وأسماعهم فلا يروني إلا بغتة". فانطلق أبو سفيان حتى قدم مكة فحدث قومه، فقالوا: رضيت بالباطل وجئتنا بما لا يغني عنا شيئا، وإنما لعب بك علي.
وأغبر رسول الله ﷺ في الجهاز، مخفيا لذلك. فدخل أبو بكر على ابنته، فرأى شيئا من جهاز رسول الله ﷺ، فأنكر وقال: أين يريد رسول الله؟ فقالت عائشة: تجهز، فإن رسول الله ﷺ غاز قومك، قد غضب لبني كعب. فدخل رسول الله ﷺ فأشفقت عائشة أن يسقط أبوها بما أخبرته قبل أن يذكره رسول الله ﷺ، فأشارت إلى أبيها بعينها، فسكت. فمكث رسول الله ﷺ ساعة يتحدث مع أبي بكر، ثم قال:"تجهزت يا أبا بكر"؟ قال: لماذا يا رسول الله؟ قال:"لغزو قريش، فإنهم قد غدروا ونقضوا العهد، وإنا قوم غازون إن شاء الله".
وأذن في الناس بالغزو، فكتب حاطب إلى قريش فذكر حديثه، وقال: ثم خرج رسول الله ﷺ في اثني عشر ألفا من المهاجرين، والأنصار، وأسلم، وغفار، ومزينة، وجهينة،