قال: وكان محمد بن عبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس محباً للعلوم عارفاً فلما دخل بقي الأندلس بمصنف أبي بكر بن أبي شيبة وقرئ عليه أنكر جماعة من أهل الرأي مافيه من الخلاف واستبشعوه ونشطوا العامة عليه ومنعوه من قراءته فاستحضره صاحب الأندلس محمد وإياهم وتصفح الكتاب كله جزءاً جزءاً حتى اتى على آخره ثم قال لخازن الكتب: هذا كتاب لا تستغني عنه خزانتنا عنه فأنظر في نسخه لنا ثم قال لبقي: انشر علمك وارو ما عندك ونهاهم أن يتعرضوا له.
قال أسلم بن عبد العزيز: حدثنا بقي بن مخلد قال: لما وضعت مسندي جاءني عبيد الله بن يحيى بن يحيى واخوه إسحاق فقالا: بلغنا أنك وضعت مسنداً قدمت فيه أبا مصعب الزهري ويحيى بن بكير وأخرت أبانا فقال: أما تقديمي أبا مصعب فلقول رسول الله ﷺ:" قدموا قريشاً ولا تقدموها" وأما تقديمي ابن بكير فلقول رسول الله ﷺ:" كبر كبر" يريد السن ومع أنه سمع الموطأ من مالك سبع عشر مرة وأبوكما لم يسمعه إلا مرة واحدة. قلت: وله فيه فوت معروف. قال: فخرجنا ولم يعودا وخرجا إلى حد العداوة.
وألف أبو عبد الملك أحمد بن محمد بن عبد البر القرطبي الميت في عام ثمانية وثلاثين وثلاث مئة كتاباً في أخبار علماء قرطبة ذكر فيه بقي بن مخلد فقال: كان فاضلاً تقياً صواماً قواماً متبتلاً منقطع القرين في عصره منفرداً عن النظير في مصره كان أول طلبه عند محمد بن عيسى الاعشى ثم رحل فحمل عن أهل الحرمين ومصر والشام والجزيره وخلوان والبصرة والكوفة وواسط وبغداد وخراسان كذا قال فغلط لم يصل إلى خراسان بل ولا إلى همذان وما أدري هل دخل الجزيرة أم لا ويظهر ذلك لمن تأمل شيوخه ثم قال: وعدن والقيروان قلت: وما دخل الرجل إلى اليمن قال: وذكر عبد الرحمن بن أحمد عن أبيه: أن امرأة جاءت إلى بقي فقالت: أن ابني في الأسر ولا حيله لي فلو أشرت إلى من يفديه فأنني والهة قال: نعم انصرفي حتى أنظر في أمره ثم أطرق وحرك شفتيه ثم بعد مده جاءت المرأه بابنها فقال: كنت في يد ملك فبينا أنا في العمل سقط قيدي قال: فذكر اليوم والساعة فوافق وقت دعاء الشيخ قال: فصاح على المرسم بنا ثم نظر وتحير ثم أحضر الحداد وقيدني فلما فرغه ومشيت سقط القيد فبهتوا ودعوا رهبانهم فقالوا: ألك والده قلت: نعم قالوا: وافق دعاءها الإجابة.