خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم. فأنفض به دريد وقال: يا راعي ضأن والله؛ وهل يرد وجه المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لا ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك، فارفع الأموال والنساء والذراري إلى عليا قومهم وممتنع بلادهم.
ثم قال دريد: وما فعلت كعب وكلاب؟ فقالوا: لم يحضرها منهم أحد. فقال فعلها: غاب الحد والجد، لو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه كعب وكلاب ولوددت لو فعلتم فعلها، فمن حضرها؟ قالوا: عمرو بن عامر، وعوف بن عامر، فقال: ذانك الجذعان لا يضران ولا ينفعان. فكره مالك أن يكون لدريد فيها رأى، فقال: إنك قد كبرت وكبر علمك، والله لتطيعن يا معشر هوازن، أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري فقالوا: أطعناك.
ثم قال مالك للناس: إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم، ثم شدوا شدة رجل واحد.
وقال الواقدي: سار رسول الله ﷺ من مكة لست خلون من شوال، في اثني عشر ألفا، فقال أبو بكر: لا نغلب اليوم من قلة. فانتهوا إلى حنين، لعشر خلون من شوال، وأمر النبي ﷺ أصحابه بالتعبئة، ووضع الألوية والرايات في أهلها، وركب بغلته ولبس درعين والمغفر والبيضة. فاستقبلهم من هوازن شيء لم يروا مثله من السواد والكثرة، وذلك في غبش الصبح. وخرجت الكتائب من مضيق الوادي وشعبه، فحملوا حملة واحدة، فانكشفت خيل بني سليم مولية، وتبعهم أهل مكة، وتبعهم الناس. فجعل رسول الله ﷺ يقول:"يا أنصار الله، وأنصار رسوله، أنا عبد الله ورسوله". وثبت معه يومئذ: عمه العباس وابنه الفضل، وعلي بن أبي طالب، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وأخوه ربيعة، وأبو بكر، وعمر، وأسامة بن زيد، وجماعة.
وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني أمية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، أنه حدث أن مالك بن عوف بعث عيونا، فأتوه وقد تقطعت أوصالهم، فقال: ويلكم، ما شأنكم؟ فقالوا: أتانا رجال بيض على خيل بلق، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى. فلما رده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد. منقطع.
وعن الربيع بن أنس، أن رجلا قال: لن نغلب من قلة. فشق ذلك على النبي ﷺ، ونزلت ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾ الآية [التوبة: ٢٥].
وقال معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام، سمع أبا سلام يقول: حدثني السلولي، أنه حدثه سهل الحنظلية، أنهم ساروا مع رسول الله ﷺ يوم حنين، فأطنبوا السير حتى كان عشية، فحضرت صلاة الظهر عند رسول الله ﷺ، فجاء فارس، فقال: يا رسول الله إني