قلت: الخوض في ذلك لا يجوز، وكذلك لا يجوز أن يقال: الإيمان، والإقرار، والقراءة، والتلفظ بالقرآن غير مخلوق، فإن الله خلق العباد وأعمالهم، والإيمان: فقول وعمل، والقراءة والتلفظ: من كسب القارئ، والمقروء الملفوظ: هو كلام الله ووحيه وتنزيله، وهو غير مخلوق، وكذلك كلمة الإيمان، وهي قول "لا إله إلَّا الله، محمد رسول الله" داخلة في القرآن، وما كان من القرآن فليس بمخلوق، والتكلم بها من فعلنا، وأفعالنا مخلوقة، ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفورًا له، قمنا عليه، وبدعناه، وهجرناه، لما سلم معنا لا ابن نصر، ولا ابن مندة، ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق، وهو أرحم الراحمين، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة.
قال أبو محمد بن حزم في بعض تواليفه: أعلم الناس من كان أجمعهم للسنن، وأضبطهم لها، وأذكرهم لمعانيها، وأدراهم بصحتها، وبما أجمع الناس عليه مما اختلفوا فيه.
قال: وما نعلم هذه الصفة -بعد الصحابة- أتم منها في محمد بن نصر المروزي، فلو قال قائل: ليس لرسول الله ﷺ حديث ولا لأصحابه إلَّا وهو عند محمد بن نصر لما أبعد عن الصدق.
قلت: هذه السعة والإحاطة ما ادعاها ابن حزم لابن نصر إلَّا بعد إمعان النظر في جماعة تصانيف لابن نصر، ويمكن ادعاء ذلك لمثل أحمد بن حنبل ونظرائه، والله أعلم.