للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقيل: إن المكتفي أراد أن يحبس وقفًا تجتمع عليه أقاويل العلماء، فأحضر له ابن جرير، فأملى عليهم كتابًا لذلك، فأخرجت له جائزة، فامتنع من قبولها، فقيل له: لا بد من قضاء حاجة، قال: أسأل أمير المؤمنين أن يمنع السؤال يوم الجمعة، ففعل ذلك.

وكذا التمس منه الوزير أن يعمل له كتابًا في الفقه، فألف له كتاب "الخفيف" فوجه إليه بألف دينار، فردها.

الخطيب: حدثني أبو الفرج محمد بن عبيد الله الشيرازي الخرجوشي: سمعت أحمد بن منصور الشيرازي، سمعت محمد ابن أحمد الصحاف السجستاني، سمعت أبا العباس البكري يقول: جمعت الرحلة بين ابن جرير، وابن خزيمة، ومحمد بن نصر المروزي، ومحمد بن هارون الروياني بمصر، فأرملوا ولم يبق عندهم ما يقوتهم، وأضر بهم الجوع، فاجتمعوا ليلة في منزل كانوا يأوون إليه، فاتفق رأيهم على أن يستهموا ويضربوا القرعة، فمن خرجت عليه القرعة سأل لأصحابه الطعام، فخرجت القرعة على ابن خزيمة، فقال لأصحابه: أمهلوني حتى أصلي صلاة الخيرة، قال: فاندفع في الصلاة، فإذا هم بالشموع وخصي من قبل والي مصر يدق الباب، ففتحوا، فقال: أيكم محمد بن نصر؟ فقيل: هو ذا، فأخرج صرة فيها خمسون دينارًا، فدفعها إليه، ثم قال: وأيكم محمد بن جرير؟ فأعطاه خمسين دينارًا، وكذلك للروياني، وابن خزيمة، ثم قال: إن الأمير كان قائلًا بالأمس، فرأى في المنام أن المحامد جياع قد طووا كشحهم، فأنفذ إليكم هذه الصرر، وأقسم عليكم: إذا نفذت، فابعثوا إلي أحدكم.

وقال أبو محمد الفرغاني في "ذيل تاريخه" على "تاريخ الطبري"، قال: حدثني أبو علي هارون بن عبد العزيز، أن أبا جعفر لما دخل بغداد، وكانت معه بضاعة يتقوت منها، فسرقت فأفضى به الحال إلى بيع ثيابه وكمي قميصه، فقال له بعض أصدقائه: تنشط لتأديب بعض ولد الوزير أبي الحسن عبيد الله بن يحيى بن خاقان؟ قال: نعم، فمضى الرجل، فأحكم له أمره، وعاد فأوصله إلى الوزير بعد أن أعاره ما يلبسه، فقربه الوزير ورفع مجلسه، وأجرى عليه عشرة دنانير في الشهر، فاشترط عليه أوقات طلبه للعلم والصلوات والراحة، وسأل إسلافه رزق شهر، ففعل، وأدخل في حجرة التأديب، وخرج إليه الصبي -وهو أبو يحيى- فلما كتبه أخذ الخادم اللوح، ودخلوا مستبشرين، فلم تبق جارية إلَّا أهدت إليه صينية فيها دراهم ودنانير، فرد الجميع وقال: قد شورطت على شيء، فلا آخذ سواه، فدرى الوزير ذلك، فأدخلته إليه وسأله، فقال: هؤلاء عبيد وهم لا يملكون فعظم ذلك في نفسه.

وكان ربما أهدى إليه بعض أصدقائه الشيء فيقبله، ويكافئه أضعافًا لعظم مروءته.

<<  <  ج: ص:  >  >>