للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

على محمد بن جرير، فقال لي: أقم معها بعد أن تقول لها: أنت طالق ثلاثًا إن طلقتك. فاستحسن هذا الجواب. وذكر شيخ الحنابلة ابن عقيل، وقال: وله جواب آخر: أن يقولها كقولها سواء: أنت طالق ثلاثًا -بفتح التاء- فلا يحنث. وقال أبو الفرج بن الجوزي: وما كان يلزمه أن يقول لها ذاك على الفور، فله التمادي إلى قبل الموت.

قلت: ولو قال: أنت طالق ثلاثًا، وقصد الاستفهام أو عنى أنها طالق من وثاق، أو عنى الطلق لم يقع طلاق في باطن الأمر.

وله جواب آخر على قاعدة مراعاة سبب اليمين ونية الحالف، فما كان عليه أن يقول لها ما قالته، إذ من المعلوم بقرينة الحال استثناء ذلك قطعًا، لأنه ما قصد إلَّا أنها إذا قالت له ما يؤذيه أن يؤذيها بمثله، ولو جاوبها بالطلاق لسرت هي، ولتأذى هو، كما استثنى من عموم قوله تعالى: ﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْء﴾ [النمل: ٢٣]، بقرينة الحال أنها لم تؤت لحية ولا إحليلًا. ومن المعلوم استثناؤه بالضرورة التي لم يقصدها الحالف قط لو حلف: لا تقولي لي شيئًا إلَّا قلت لك مثله، أنها لو كفرت وسبت الأنبياء فلم يجاوبها بمثل ذلك لأحسن.

ثم يقول طائفة من الفقهاء: إنه لم يحنث إلَّا أن يكون -والعياذ بالله- قصد دخول ذلك في يمينه.

وأما على مذهب داود بن علي، وابن حزم، والشيعة، وغيرهم، فلا شيء عليه، ورأوا الحلف والأيمان بالطلاق من أيمان اللغو، وأن اليمين لا تنعقد إلَّا بالله.

وذهب إمام في زماننا إلى أن من حلف على حض أو منع بالطلاق، أو العتاق، أو الحج ونحو ذلك فكفارته كفارة يمين، ولا طلاق عليه.

قال ابن جرير في كتاب "التبصير في معالم الدين": القول فيما أدرك علمه من الصفات خبرًا، وذلك نحو إخباره تعالى أنه سميع بصير، وأن له يدين بقوله: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان﴾ [المائدة: ٦٤]، وأن له وجهًا بقوله: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّك﴾ [الرحمن: ٢٧]، وأنه يضحك بقوله في الحديث: "لقي الله وهو يضحك إليه"، و"أنه ينزل إلى سماء الدنيا" لخبر رسوله بذلك، وقال Object: "ما من قلب إلَّا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن" (١) … إلى أن قال: فإن هذه المعاني التي وصفت ونظائرها مما وصف الله نفسه ورسوله ما لا يثبت حقيقة علمه بالفكر والروية، لا نكفر بالجهل بها أحدًا إلَّا بعد انتهائها إليه.


(١) صحيح: أخرجه مسلم "٢٦٥٤" من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، به.
وأخرجه أحمد "٤/ ١٨٢"، وابن ماجه "١٩٩" من حديث النواس بن سمعان، به.

<<  <  ج: ص:  >  >>