وفي سنة خمس وستين: حجت جميلة بنت صاحب الموصل، فكان معها أربع مائة جمل، وعدة محامل لا يدري في أيها هي، واعتقت خمس مائة نفس، وخلعت خمسين ألف ثوب، وقيل: كان معها أربع مائة محمل. ثم في الآخر، استولى عضد الدولة على أموالها وقلاعها، وافتقرت لكونه خطبها فأبت وآل بها الحال إلى أن هتكها وألزمها أن تختلف مع الخواطئ لتحصل ما تؤديه، فرمت بنفسها في دجلة.
وفي سنة سبع وستين: أقبل عضد الدولة في جيوشه، وأخذ بغداد، وتلقاه الطائع، وعملت قباب الزينة. ثم خرج فعمل المصاف مع عز الدولة فأسر عز الدولة، ثم قتله، ونفذ إلى الطائع ألف ألف درهم، وخمسين ألف دينار، وخيلًا وبغالًا، ومسكًا وعنبرًا.
وكان الغرق العظيم ببغداد وبلغ الماء أحدًا وعشرين ذراعًا، وغرق خلق.
وتمكن عضد الدولة، ولقب أيضًا تاج الملة، وضربت له النوبة في ثلاثة أوقات، وعلا سلطانه علوًا لا مزيد عليه، ومع ذلك الارتقاء فكان يخضع للطائع. وجاءه رسول العزيز صاحب مصر، فراسله بتودد، وطلب من الطائع أن يزيد في ألقابه، فجلس له الطائع وحوله مائة بالسيوف والزينة وبين يديه المصحف العثماني، وعلى كتفه البردة وبيده القضيب، وهو متقلد السيف، وأسبلت الستارة، ودخل الترك والديلم بلا سلاح. ثم أذن لعضد الدولة، ورفعت له الستارة، فقبل الأرض. قال: فارتاع زياد القائد، وقال بالفارسية: أهذا هو الله.
فقيل له: بل خليفة الله في أرضه. ومشى عضد الدولة، وقبل الأرض مرات سبعا. فقال الطائع لخادمه: استدنه. فصعد، وقبل الأرض مرتين، فقال: ادن إلي، فدنا حتى قبل رجله، فثنى الطائع يده عليه، وأمره، فجلس على كرسي بعد الامتناع، حتى قال: أقسمت لتجلسن، ثم قال: ما كان أشوقنا إليك، وأتوقنا إلى مفاوضتك فقال: عذري معلوم. قال: نيتك موثوق بها، فأومأ برأسه فقال: قد رأيت أن أفوض إليك ما وكله الله إلي من أمور الرعية في شرق الأرض وغربها سوى خاصتي وأسبابي، فتولى ذلك مستجيرًا بالله. قال: يعينني الله على طاعة مولانا أمير المؤمنين وخدمته، وأريد كبار القواد أن يسمعوا لفظك. قال الطائع: هاتوا الحسين بن موسى، وابن معروف، وابن أم شيبان، فقدموا، فأعاد الطائع قوله بالتفويض، ثم ألبس الخلع والتاج، فأومأ ليقبل الأرض فلم يطق. فقال الطائع: حسبك. وعقد له لواءين بيده. ثم قال: يقرأ كتابه فقرئ. فقال الطائع خار الله لنا ولك وللمسلمين، آمرك بما أمرك الله به، وأنهاك عما نهاك الله عنه، وأبرأ إلى الله مما سوى ذلك، انهض على اسم الله. ثم أعطاه بيده سيفا ثانيا غير سيف الخلعة، وخرج من باب الخاصة، وشق البلد.