وكان أبو عبد الله ذا مكر ودهاء وحيل وربط. وله يد في العلم. فاشتهر بالقيروان، وبايعته البربر، وتألهوه لزهده، فبعث إليه متولي إفريقية يخوفه ويهدده، فما ألوى عليه. فلما هم بقبضه، استنهض الذين تبعوه، وحارب فانتصر مرات، واستفحل أمره، فصنع صاحب إفريقية صنع محمد بن يعفر صاحب اليمن، فرفض الإمارة، وأظهر التوبة، ولبس الصوف، ورد المظالم، ومضى غازيا نحو الروم، فتملك بعده ابنه أبو العباس بن إبراهيم بن أحمد، ووصل الأب إلى صقلية، ومنها إلى طبرمين فافتتحها. ثم مات مبطونا في ذي القعدة سنة تسع وثمانين ومائتين. كانت دولته ثمانيا وعشرين سنة، ودفن بصقلية.
وشهر الشيعي بالمشرقي، وكثرت جيوشه، وزاد الطلب لعبيد الله، فسار بابنه وهو صبي ومعهما أبو العباس أخو الداعي الشيعي فتحيلوا حتى وصلوا إلى طرابلس المغرب، وتقدمهما أبو العباس إلى القيروان، وبالغ زيادة الله الأغلبي في تطلبهما، فوقع بأبي العباس فقرره، فأصر على الإنكار، فحبسه برقادة. وعرف بذلك المهدي فعدل إلى سجلماسة، وأقام بها يتجر، فعلم به زيادة الله، وقبض متولي البلد على المهدي وابنه. ثم التقى زيادة الله والشيعي غير مرة، وينتصر الشيعي، وانهزم من السجن أبو العباس، ثم أمسك.
وأما زيادة الله فأيس من المغرب، ولحق بمصر. وأقبل الشيعي وأخوه في جمع كثير. فقصدا سجلماسة، فبرز لهما متوليها اليسع، فانهزم جيشه في سنة ست وتسعين ومائتين، وأخرج الشيعي عبيد الله وابنه، واستولى على البلاد، وتمهدت له المغرب.
ثم سار في أربعين ألفًا برًا وبحرًا يقصد مصر، فنزل لبدة، وهي على أربعة مراحل من الإسكندرية. ففجر تكين الخاصة عليهم النيل فحال الماء بينهم وبين مصر.
قال: المسبحي فكانت وقعة برقة، فسلمها المنصور، وانهزم إلى مصر.
وفيها سار حباسة الكتامي في عسكر عظيم طليعة بين يدي ابن المهدي. فوصل إلى الجيزة، فتاه على المخاضة، وبرز إليه عسكر ومنعوه. وكان النيل زائدا، فرجع جيش المهدي وعاثوا وأفسدوا.
ثم قصدوا مصر في سنة ست وثلاث مائة مع القائم، فأخذ الإسكندرية، وكثيرا من الصعيد. ثم رجع، ثم أقبلوا في سنة ثمان وملكوا الجيزة.
وفي نسب المهدي أقوال: حاصلها أنه ليس بهاشمي ولا فاطمي.