للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أبو عبد الله الحاكم: حضرت أبا العباس يومًا في مسجده، فخرج ليؤذِّن لصلاة العصر، فوقف موضع المئذنة ثم قال بصوت عالٍ: أخبرنا الربيع بن سليمان، أخبرنا الشافعي، ثم ضحك وضحك الناس، ثم أذَّن.

قال الحاكم: سمعت الأصم وقد خرج ونحن في مسجده، وقد امتلأت السكة من الناس في ربيع الأول سنة أربع وأربعين وثلاث مائة، وكان يملي عشية كل يوم اثنين من أصوله، فلمَّا نظر إلى كثرة الناس والغرباء وقد قاموا يطرقون له، ويحملونه على عواتقهم من باب داره إلى مسجده، فجلس على جدار المسجد وبكى طويلًا، ثم نظر إلى المستملي فقال: اكتب: سمعت محمد بن إسحاق الصغاني يقول: سمعت الأشج، سمعت عبد الله بن إدريس يقول: أتيت يومًا باب الأعمش بعد موته، فدققت الباب فأجابتني جارية عرَّفتني: هاي هاي تبكي: يا عبد الله ما فعل جماهير العرب التي كانت تأتي هذا الباب، ثم بكى الكثير، ثم قال: كأنِّي بهذه السكة لا يدخلها أحد منكم، فإني لا أسمع، وقد ضعف البصر، وحان الرحيل، وانقضى الأجل، فما كان إلَّا بعد شهر أو أقل منه حتى كُفَّ بصره، وانقطعت الرحلة، وانصرف الغرباء، فرجع أمره إلى أنَّه كان يناول قَلمًا فيعلم أنهم يطلبون الرواية فيقول: حدَّثنا الربيع، وكان يحفظ أربعة عشر حديثًا، وسبع حكايات، فيرويها، وصار بأسوأ حالٍ حتى توفي.

وقرأت بخط أبي علي الحافظ يحثّ أبا العباس الأصمّ على الرجوع عن أحاديث أدخلوها عليه، حديث الصغاني عن علي بن حكيم، عن حميد بن عبد الرحمن، عن هشام بن عروة، حديث "قبض العلم" (١)، وحديث أحمد بن شيبان، عن ابن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، بعث رسول الله سرية (٢)

قال: فوقع أبو العباس: كل مَنْ روى عني هذا فهو كذَّاب، وليس هذا في كتابي.

توفِّي أبو العباس في الثالث والعشرين من ربيع الآخر سنة ست وأربعين وثلاث مائة.

ومات أبوه سنة سبع وسبعين ومائتين بنيسابور في أولها عن نحو ستين سنة، وكان ذا معرفة وفهم.

حدَّث عن إسحاق بن راهويه، ومحمد بن حميد وعِدَّة.

وعنه: ابنه، وابن أبي حاتم، ومحمد بن مخلد، وكان بديع الخط.


(١) ورد عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله يقول: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالمًا، اتَّخذ الناس رءوسا جهالًا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا".
رواه البخاري "١٠٠"، ومسلم "٢٦٧٣" من طرق عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، به.
(٢) ورد عن عبد الله بن عمر قال: بعث النبي سرية وأنا فيهم، قِبَلَ نجد، فغنموا إبلًا كثيرة، فكانت سهمانهم اثنا عشر بعيرًا، أو أحد عشر بعيرًا، ونفلوا بعيرًا بعيرًا". أخرجه مالك "٢/ ٤٥٠"، ومن طريق أحمد "٢/ ٦٢"، والبخاري "٣١٣٤"، ومسلم "١٧٤٩" واللفظ له عن نافع، عن ابن عمر، به.

<<  <  ج: ص:  >  >>