للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المعاند، فمن الذي كان بمكة وقت المبعث يدري أخبار الرسل والأمم الخالية؟ ما كان بمكة أحد بهذه الصفة أصلا. ثم ما المانع من تعلم النبي كتابة اسمه واسم أبيه مع فرط ذكائه، وقوة فهمه، ودوام مجالسته لمن يكتب بين يديه الوحي والكتب إلى ملوك الطوائف، ثم هذا خاتمه في يده، ونقشه: محمد رسول الله (١).

فلا يظن عاقل أنه ما تعقل ذلك، فهذا كله يقتضي أنه عرف كتابة اسمه واسم أبيه، وقد أخبر الله بأنه -صلوات الله عليه- ما كان يدري ما الكتاب ثم علمه الله ما لم يكن يعلم، ثم الكتاب صفة مدح، قال تعالى: ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: ٤ - ٥]، فلما بلغ الرسالة، ودخل الناس في دين الله أفواجا، شاء الله لنبيه أن يتعلم الكتابة النادرة التي لا يخرج بمثلها عن أن يكون أميا، ثم هو القائل: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب" (٢). فصدق إخباره بذلك، إذا الحكم للغالب، فنفى عنه وعن أمته الكتابة والحساب لندور ذلك فيهم وقلته، وإلا فقد كان فيهم كتاب الوحي وغير ذلك، وكان فيهم من يحسب، وقال تعالى: ﴿وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ [الإسراء: ١٢].

ومن علمهم الفرائض، وهي تحتاج إلى حساب وعول، وهو فينفي عن الأمة الحساب، فعلمنا أن المنفي كمال علم ذلك ودقائقه التي يقوم بها القبط والأوائل، فإن ذلك ما لم يحتج إليه دين الإسلام ولله الحمد.

فإن القبط عمقوا في الحساب والجبر، وأشياء تضيع الزمان وأرباب الهيئة تكلموا في سير النجوم والشمس والقمر، والكسوف والقران (٣) بأمور طويلة لم يأت الشرع بها، فلما ذكر الشهور ومعرفتها بين أن معرفتها ليست بالطرق التي يفعلها المنجم وأصحاب التقويم، وأن ذلك لا نعبأ به في ديننا، ولا نحسب الشهر بذلك أبدا، ثم بين أن الشهر بالرؤية فقط، فيكون تسعا وعشرين، أو بتكملة ثلاثين، فلا نحتاج مع الثلاثين إلى تكلف رؤية.


(١) صحيح: أخرجه البخاري "٥٨٧٥"، ومسلم "٢٠٩٢" "٥٦" وقد خرجته في الجزء الحادي عشر بتعليقنا رقم "١٠٦".
(٢) صحيح: أخرجه البخاري "١٩١٣"، ومسلم "١٠٨٠" "١٥" وقد خرجته في الجزء الحادي عشر بتعليقنا رقم "١٠٧" فراجعه ثمت.
(٣) القران: يعني قران الكواكب.

<<  <  ج: ص:  >  >>