قال أبو بكر الخطيب: كان الدارقطني فريد عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته، انتهى إليه علوّ الأثر والمعرفة بعلل الحديث وأسماء الرجال، مع الصدق والثقة، وصحّة الاعتقاد، والاضطلاع من علوم سوى الحديث؛ منها القراءات، فإنه له فيها كتاب مختصر، جمع الأصول في أبواب عقدها في أول الكتاب، وسمعت بعض من يعتني بالقراءات يقول: لم يُسْبَق أبو الحسن إلى طريقته في هذا. وصار القراء بعده يسلكون ذلك، قال: ومنها المعرفة بمذاهب الفقهاء، فإنَّ كتابه "السنن" يدل على ذلك، وبلغني أنه درَّس فقه الشافعي على أبي سعيد الإصطخري، وقيل: على غيره، ومنها: المعرفة بالأدب والشعر، حدَّثني حمزة بن محمد بن طاهر، أن الدارقطني كان يحفظ ديوان السيد الحميري، فنسب لذا إلى التشيع.
قال أبو الفتح بن أبي الفوارس: كنَّا نمر إلى البغوي، والدارقطني صبيّ يمشي خلفنا بيده رغيف عليه كامخ.
قال الخطيب: حدَّثنا الأزهري قال: بلغني أن الدارقطني حضر في حداثته مجلس إسماعيل الصفّار، فجعل ينسخ جزءًا كان معه، وإسماعيل يملي، فقال رجل: لا يصح سماعك وأنت تنسخ، فقال الدارقطني: فهمي للإملاء خلاف فهمك، كم تحفظ أملى الشيخ؟ فقال: لا أحفظ. فقال الدارقطني: أملى ثمانية عشر حديثًا، الأول: عن فلان، عن فلان، ومتنه كذا وكذا، والحديث الثاني: عن فلان، عن فلان، ومتنه كذا وكذا، ومر في ذلك حتى أتى على الأحاديث، فتعجَّب الناس منه، أو كما قال.
قال الحافظ أبو ذر الهروي: سمعت أنَّ الدارقطني قرأ كتاب "النسب" على مسلم العلوي، فقال له المعيطي الأديب بعد القراءة: يا أبا الحسن، أنت أجرأ من خاصي الأسد، تقرأ مثل هذا الكتاب مع ما فيه من الشعر والأدب، فلا يؤخذ فيه عليك لحنة، وتعجب منه، هذه حكاها الخطيب عن الأزهري، فقال مسلم بن عبيد الله: وإنه كان يروي كتاب "النسب" عن الخضر بن داود عن الزبير.
قال رجاء بن محمد المعدل: قلت للدارقطني: رأيت مثل نفسك؟ فقال: قال الله: ﴿فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُم﴾ فألححت عليه، فقال: لم أر أحدًا جمع ما جمعت، رواها أبو ذر، والصوري عن رجاء المصري، وقال أبو ذر: قلت لأبي عبد الله الحاكم: هل رأيت مثل الدارقطني؟ فقال: هو ما رأى مثل نفسه، فكيف أنا?! وكان الحافظ عبد الغني الأزدي إذا حكى عن الدارقطني يقول: قال أستاذي.