للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أخرجه لهم في يوم العيد للهناء، فلمَّا مات المنصور وابنه المظفر أبو مروان، انخرم النظام، وشرع الفساد، وهلك الناس، فقام شنجول وطغى وبَغَى، وفعل العظائم، والمؤيَّد بالله تحت الاحتجار، فدسَّ على المؤيَّد من خوفه وهدده، وأعمله أنه عازم على قتله إن لم يوله عهده، ثم أمر شنجول القضاة والأعلام بالمثول إلى القصر الذي بالزهراء، فأخرج لهم المؤيد، وأخرج كتابًا قرئ بينهم بأن المؤيَّد قد خلع نفسه، وسلم الأمر إلى الناصر لدين الله عبد الرحمن بن أبي عامر. فشهد من حضر بذلك على المؤيَّد، وأخذ الناصر هذا في التهتك والفسق، وكان زيهم المكشوفة، فأمر جنده بحلق الشعر، ولبس العمائم تشبهًا ببني زيرى، فبقوا أوحش ما يكون وأسمجه، لفوا العمائم بلا صنعة، وبقوا ضحكةً، ثم سار غازيًا، فجاءه الخبر بأن محمد بن هشام بن عبد الجبار الأموي ابن عمّ المؤيد بالله قد توثَّب بقرطبة، وهدم الزهراء، وأقام معه القاضي ابن ذكوان، وأنفق الأموال في الشطار، فاجتمع له أربع مائة رجل، وأخذ يرتب أموره في السر، ثم ركب، وقصد دار والي قرطبة فقطع رأسه، فخرج إليه الأستاذ جوذر الكبير، فقال له محمد بن هشام: أين المؤيد بالله? أخرجه. فقال: أذلَّ نفسه وأذلنا بضعفه. فخرج يطلب أمانه، فقال: أنا إنما قمت لأزيل الذلّ عنك، فإن خلعت نفسك طائعًا فلك كل ما تحب. ثم طلب ابن المكُوي الفقيه، وابن ذكوان القاضي، والوزراء، فدخلوا على المؤيَّد، فشهدوا عليه بتفويض الأمر إلى ابن عمه هذا، وضعف أمر شنجول، وظفر به محمد، فذبحه في أثناء هذا العام، وله بضع وعشرون سنة.

قال ابن أبي الفياض: كان خِتَان شنشول في سنة ثمانين وثلاث مائة، فانتهت النفقة يومئذ إلى خمس مائة ألف دينار، وختنوا معه خمس مائة وسبعةً وسبعين صبيًّا.

وأما محمد بن هشام بن عبد الجبار بن الناصر لدين الله عبد الرحمن، فتلقَّب بالمهديّ، ونصب الديوان، واستخدم، فلم يبق زاهد ولا جاهل ولا حجام حتى جاءه، فاجتمع له نحو من خمسين ألفًا، ودانت له الوزراء والصقالبة، وبايعوه، فأمر بنهب دور آل المنصور أبي عامر، وانتهب جميع ما في الزهراء من الأموال والسلاح، وقلعت الأبواب. فقيل: وصل منها إلى خزانة المهدي هذا خمسة آلاف ألف دينار سوى الفضة، وصلَّى بالناس الجمعة بقرطبة، وقرئ كتابه بلعنة شنشول، ثم سار إلى حربه، فكان القاضي ابن ذكوان يحرّض على قتاله، ويقول: هو كافر. وكان شنشول قد استعان بعسكر الفرنج؛ لأن أمه منهم، وقام معه ابن غومش، فجاء إلى قرطبة، فتسحَّب جنده، فقال له ابن غومش: ارجع بنا قبل أن تؤخذ، فأبى، ومال إلى دير شربش جوعان سهران، فأنزل له راهب دجاجةً وخبزًا، فأكل وشرب وسكر، وجاء لحربه ابن عمّ المهدي وحاجبه محمد بن المغيرة الأموي، فقبض عليه، فظهر منه

<<  <  ج: ص:  >  >>