للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الجزع، وقَبَّل قَدَم ابن المغيرة، وقال: أنا في طاعة المهدي. ثم ضربت عنقه، وطيف برأسه: هذا شنشول المأبون المخذول. فلمَّا استوثق الأمر للمهدي، أظهر من الخلاعة والفساد أكثر مما عمله شنشول.

قال الحميدي: فقام على المهدي ابن عمه هشام بن سليمان بن الناصر لدين الله، في شوال سنة تسع وتسعين، وقام مع البربر، وأسر هشام هذا، فقتله المهدي.

وقال غيره: زاد المهدي في الغي، وأخذ الحرم، وعمد إلى نصراني يشبه المؤيد بالله، ففصده حتى مات، وأخرجه إلى الناس، وقال: هذا المؤيَّد. فصلَّى عليه ودفنه، وقدم على المهدي رسول فلفل بن سعيد الزناتي صاحب طرابلس داخلًا في طاعته، يلتمس إرسال سكة على اسمه ليعينه على باديس، فغلب باديس على طرابلس وتملكها، وكتب إلى ابن عمِّه حمَّاد ليغري القبائل على المهدي لخذلانه، قد هَمَّ بالغدر بالبربر الذي حوله، ولوَّح بذلك، فهذا سبب خروجهم عليه مع ابن عمه هشام بن سليمان، فقتلوا أولًا وزيريه: محمد بن دري، وخلف بن طريف، وأحرقوا السراجين، وعبروا القنطرة، ثم تخاذلوا عن هشام حتى قتل، وتحيِّز جلهم إلى قلعة رباح، فهرب معهم سليمان بن الحكم بن سليمان بن الناصر، وهو ابن أخي هشام المقتول، فبايعوه، وسموه: المستعين بالله، وجمعوا له مالًا، حتى صار له نحو من مائة ألف دينار، فتوجَّه بالبربر إلى طليطلة فتملَّكَها، وقتل واليها، فجزع المهدي، واعتد للحصار، وتجرأت عليه العامَّة، ثم بعث عسكرًا فهزمهم سليمان المستعين، ثم سار حتى شارف قرطبة، فبرز لحربه عسكر المهدي، فناجزهم سليمان، فكان من غرق منهم في الوادي أكثر ممن قتل، وكانت وقعة هائلة هلك فيها خلق من الأخيار والأئمة والمؤذنين، فلما أصبح المهدي بالله أخرج للناس الخليفة المؤيد بالله هشام بن الحكم، الذي كان أظهر لهم موته، فأجلسه للناس، وأقبل قاضي الجماعة يقول: هذا أمير المؤمنين، وإنما محمد بن هشام بن عبد الجبار نائبه. فقال له البربر: يا ابن ذكوان: بالأمس تصلي عليه، واليوم تحييه?! ثم خرج أهل قرطبة إلى المستعين سليمان، فاحسن ملقاهم، واختفى محمد المهدي، واستوثق أمر المستعين، ودخل قصر الإمارة، ووارى الناس قتلاهم، فكانوا نحوًا من اثني عشر ألفًا، ثم تسحَّب المهدي إلى طليطلة، فقاموا معه، وكتب إلى الفرنج ووعدهم بالأموال، فاجتمع إليه خلق عظيم، وهو أوّل مال انتقل من بيت المال بالأندلس إلى الفرنج، وكانت الثغور كلها باقيةً على طاعة المهدي، فقصد قرطبة في جحفل عظيم، فالتقى الجمعان على عقبة البقر على بريد من قرطبة، فاقتتلوا أشد قتال، فانهزم سليمان المستمعين، واستولى المهدي على قرطبة ثانيًا، ثم خرج بعد أيام إلى قتال جماهير البربر، فالتقاهم بوادي آرُهْ، فهزموه أقبح هزيمة، وقتل من

<<  <  ج: ص:  >  >>