جنده الفرنج ثلاثة آلاف، وغرق خلق، فجاء إلى قرطبة، ثم وثب عليه العبيد، فضربت عنقه، وقطعت أربعته، وكفى الله شره في ثامن ذي الحجة عام أربع مائة، وعاش أربعًا وثلاثين سنة.
قال الحميدي: أعيد المؤيَّد بالله إلى الخلافة في آخر سنة أربع مائة، فحاصرته جيوش البربر مع سليمان المستعين مدةً، واتصل ذلك إلى شوال سنة ثلاث وأربع مائة، فدخل البربر قرطبة بالسيف، وقُتِلَ المؤيَّد بالله. وقرأت بخط أبي الوليد بن الحاجّ: إنَّ طائفةً وثبوا على المهدي فقتلوه، وأخرجوا المؤيد بالله، فطير عنبر رأس المهدي بين يدي المؤيد، وسكن الناس، وكتب المؤيد إلى البربر ليدخلوا في الطاعة فأبوا، وصار يركب ويظهر، فهابه الناس، وعاثت البربر، وعملت ما لا يعمله مسلم، ونازلوا قرطبة سنة اثنتين وأربع مائة، واشتدَّ القحط والبلاء، وفني الناس، ودخل البربر بالسيف في سنة ثلاث، فقتلوا حتى الولدان، وهرب الخلق، وهرب المؤيَّد بالله إلى المشرق فحَجَّ، ولقد تصرَّف في الدنيا عزيزًا وذليلًا، والعزة لله جميعًا.
وقال غيره: أما المؤيَّد فانقطع خبره، ونسي ذكره.
وقال عُزَيْز في "تاريخ القيروان": إنَّ المؤيَّد بالله هرب بنفسه من قرطبة، فلم يزل فارًّا ومستخفيًا حتى حج، وكان معه كيس جوهر، فشعر به حرابة مكة، فأخذوه منه، فمال إلى ناحية من الحرم، وأقام يومين لم يطعم طعامًا، فأتى المروة، فلقيه رجل، فقال له: تحسن تجبل الطين? قال: نعم. فذهب به، فلم يحسن الجبل، وشارط على درهم ورغيف، فقال: عجّل القرص، فإني جائع. فأتاه به، فأكله، وعمل حتى تعب، وهرب، وخرج مع الركب إلى الشام في أسوأ حال، فقدم القدس، فمشى، فرأى رجلًا يعمل الحصر، فنظر إليه الرجل، فقال: من أنت? قال غريب. قال: تحسن هذه الصنعة? قال: لا. قال: فتكون عندي تناولني الحلفاء وأعطيك أجرةً? قال: نعم. فأقام عنده يعاونه، ويأكل معه، فتعلَّم صنعة الحصر، وأقام بالقدس سنين، ولم يدر به أحد، ثم رجع إلى الأندلس في سنة أربع وعشرين وأربع مائة.
قال عزيز: فهذا نصّ ما رواه مشايخ أهل الأندلس، والذي ذكره ابن حزم في كتاب "نُقط العروس" أنه قال: أخلوقة لم يسمع بمثلها: ظهر رجل يقال له خلف الحصري بعد اثنتين وعشرين سنة من موت المؤيَّد بالله هشام، فبويع له، وخطب له على منابر الأندلس في أوقات شتَّى، وادَّعى أنه المؤيَّد بالله هشام، وسفكت الدماء، وتصادمت الجيوش في أمره.