قال عُزَيْزٌ: فأقام المدعى أنه هشام نيفًا وعشرين سنة، والقاضي محمد بن إسماعيل ابن عبَّاد كالوزير بين يديه والأمر إليه، فاستقام بذلك لابن عباد أكثر بلاد الأندلس، ودفع عنه كلام الحسَّاد إلى أن مات هشام.
قلت: هذه الحكاية شبه خرافة، ومن بعد سنة ثلاث وأربع مائة انقطع خبر المؤيَّد بالله، وانتقل إلى الله، وأظنه قُتِلَ سرًّا، فكان له حينئذ خمسون سنة، وكان ضعيف الرأي، قليل العقل، يصدق بما لا يكون، وله نهمة في جمع البقر البلق، وأعطى مرةً مالًا عظيمًا لمن جاءه بحافر حمار، وزعم أنه حافر حمار العزير، وأتاه آخر بحجر، فقال: هذا من الصخرة. وأتاه آخر بشعر قال: هذا من شعر النبي ﷺ. فقيل لهذا السبب: كان المنصور يمنع الناس من الاجتماع به. وقال بعض الناس: بل خنقه المهدي، وأخرجه ميتًا كما ذكرنا، فالله أعلم، وبالجملة فالذي جرى على أهل الأندلس من جندها البربر لا يحد ولا يوصف، عملوا ما يصنعه كفَّار الترك وأبلغ، وأحرقوا الزهراء وجامعها وقصورها، وكانت أحسن مدينة في الدنيا وأطراها، قال ابن نبيط:
ثلاثةٌ من طبعها الفساد … الفأر والبربر والجراد
وقال محيي الدين عبد الواحد بن علي التميمي المراكشي في كتاب "المعجب": دخلت البربر قرطبة وعليهم سليمان المستعين في شوال سنة ثلاث وأربع مائة، فقتلوا المؤيَّد بالله، وقتل في هذه الكائنة بقرطبة من أهلها نيف وعشرون ألفًا.