والخلافة، وكان منحرفًا غاليًا عن معاوية ﵁ وعن أهل بيته، يتظاهر بذلك، ولا يعتذر منه، فسمعت أبا الفتح سمكويه بهراة، سمعت عبد الواحد المليحي، سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: دخلت على الحاكم وهو في داره، لا يمكنه الخروج إلى المسجد من أصحاب أبي عبد الله بن كرام، وذلك أنَّهم كسروا منبره، ومنعوه من الخروج، فقلت له: لو خرجت وأمليت في فضائل هذا الرجل حديثًا، لاسترحت من المحنة، فقال: لا يجيء من قلبي، لا يجيء من قلبي.
وسمعت المظَفَّر بن حمزة بجرجان، سمعت أبا سعد الماليني يقول: طالعت كتاب "المستدرك على الشيخين" الذي صنَّفه الحاكم من أوله إلى آخره، فلم أر فيه حديثًا على شرطهما.
قلت: هذه مكابرة وغلوّ، وليست رتبة أبي سعد أن يحكم بهذا، بل في "المستدرك" شيء كثير على شرطهما، وشيء كثير على شرط أحدهما، ولعلَّ مجموع ذلك ثلث الكتاب بل أقلّ، فإن في كثير من ذلك أحاديث في الظاهر على شرط أحدهما أو كليهما، وفي الباطن لها علل خفية مؤثرة، وقطعة من الكتاب إسنادها صالح وحسن وجيد، وذلك نحو ربعه، وباقي الكتاب مناكير وعجائب، وفي غضون ذلك أحاديث نحو المائة يشهد القلب ببطلانها، كنت قد أفردت منها جزءًا، وحديث الطير بالنسبة إليها سماء، وبكل حال فهو كتاب مفيد قد اختصرته، ويعوز عملًا وتحريرًا.
قال ابن طاهر: قد سمعت أبا محمد بن السمرقندي يقول: بلغني أن "مستدرك" الحاكم ذكر بين يدي الدارقطني، فقال: نعم، يستدرك عليهما حديث الطير! فبلغ ذلك الحاكم، فأخرج الحديث من الكتاب.
قلت: هذه حكاية منقطعة، بل لم تقع، فإن الحاكم إنما ألف "المستخرج" في أواخر عمره، بعد موت الدارقطني بمدة، وحديث الطير ففي الكتاب لم يحوَّل منه، بل هو أيضًا في جامع الترمذي.
قال ابن طاهر: ورأيت أنا حديث الطير جمع الحاكم بخطه في جزء ضخم، فكتبته للتعجب.
قال الحاكم في تاريخه: ذكرنا يومًا ما روى سليمان التيمي عن أنس، فمررت أنا في الترجمة، وكان بحضرة أبي علي الحافظ وجماعة من المشايخ، إلى أن ذكرت حديث: "لا يزني